الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى هذا خطاب عام لسائر المكلفين من الآدميين كما كان قوله تعالى : يا أيها الناس اتقوا ربكم خطابا لمن كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعده من المكلفين من أهل سائر الأعصار ، إلا أنه لمن كان غير موجود على شرط الوجود وبلوغ كمال العقل .

قوله تعالى : قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وقوله تعالى : وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة يدل على فرض ستر العورة ، لإخباره أنه أنزل علينا لباسا لنواري سوآتنا به . وإنما قال : أنزلنا لأن اللباس إنما يكون من نبات الأرض أو من جلود الحيوان وأصوافها ، وقوام جميعها بالمطر النازل من السماء . وقيل إنه وصفه بالإنزال لأن البركات تنسب إلى أنها تأتي من السماء ، كما قال تعالى : وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وقوله : وريشا قيل إنه الأثاث من متاع البيت نحو الفرش والدثار . وقيل : الريش ما فيه الجمال ، ومنه ريش الطائر . وقوله : ولباس التقوى قيل فيه إنه العمل الصالح ، عن ابن عباس ؛ وسماه لباسا لأنه يقي العقاب كما يقي اللباس من الثياب الحر والبرد . وقال قتادة والسدي : هو الإيمان . وقال الحسن : هو الحياء الذي يكسبهم التقوى .

وقال بعض أهل العلم : { هو لباس الصوف والخشن من الثياب التي تلبس للتواضع والنسك في العبادة } . وقد اتفقت الأمة على معنى ما دلت عليه الآية من لزوم فرض ستر العورة ، ووردت به الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم منها حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : قلت : يا رسول الله عورتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك . قلت : يا رسول الله فإذا كان أحدنا خاليا ؟ قال : فإن الله أحق أن يستحيا منه .

وروى أبو سعيد الخدري عنه عليه السلام أنه قال : لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة . وقد روي [ ص: 204 ] عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ملعون من نظر إلى سوأة أخيه قال الله تعالى : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن يعني عن العورات ؛ إذ لا خلاف في جواز النظر إلى غير العورة.

التالي السابق


الخدمات العلمية