الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم قيل فيه : إن معناه " هلا " وهي تدخل للماضي والمستقبل ، فإذا كانت للمستقبل فهي في معنى الأمر ، كقوله : " لم لا تفعل " وهي هاهنا للمستقبل ، يقول : هلا ينهاهم ولم لا ينهاهم وإذا كانت للماضي فهو للتوبيخ ، كقوله تعالى : لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقيل في الرباني : إنه العالم بدين الرب ، فنسب إلى الرب ، كقولهم : " روحاني " في النسبة إلى الروح ، " وبحراني " في النسبة إلى البحر . وقال الحسن : " الربانيون علماء أهل الإنجيل ، والأحبار علماء أهل التوراة " . وقال غيره : " هو كله في اليهود ؛ لأنه متصل بذكرهم " . وذكر لنا أبو عمر غلام ثعلب عن ثعلب قال : " الرباني العالم العامل " . وقد اقتضت الآية وجوب إنكار المنكر بالنهي عنه والاجتهاد في إزالته ، لذمه من ترك ذلك . قوله تعالى : وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم روي عن ابن عباس وقتادة والضحاك أنهم [ ص: 105 ] وصفوه بالبخل وقالوا : هو مقبوض العطاء ، كقوله تعالى : ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط وقال الحسن : " قالوا هي مقبوضة عن عقابنا " .

واليد في اللغة تنصرف على وجوه : منها الجارحة وهي معروفة . ومنها النعمة ، تقول : لفلان عندي يد أشكره عليها ، أي نعمة ومنها القوة . فقوله أولي الأيدي فسروه بأولي القوى ؛ ونحوه قول الشاعر :

تحملت من ذلفاء ما ليس لي به ولا للجبال الراسيات يدان

ومنها الملك ، ومنه قوله : الذي بيده عقدة النكاح يعني يملكها . ومنها الاختصاص بالفعل ، كقوله تعالى : خلقت بيدي أي توليت خلقه . ومنها التصرف ، كقولك : " هذه الدار في يد فلان " يعني التصرف فيها بالسكنى أو الإسكان ونحو ذلك . وقيل : إنه قال تعالى : بل يداه على وجه التثنية ؛ لأنه أراد نعمتين : إحداهما نعمة الدنيا ، والأخرى نعمة الدين .

والثاني : قوتاه بالثواب والعقاب ، على خلاف قول اليهود ؛ لأنه لا يقدر على عقابنا . وقيل : إن التثنية للمبالغة في صفة النعمة ، كقولك : " لبيك وسعديك " . وقيل في قوله تعالى : غلت أيديهم يعني في جهنم ؛ روي عن الحسن

التالي السابق


الخدمات العلمية