الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها فيه أمر بإيفاء الحقوق على الكمال ؛ ولما كان الكيل والوزن يتعذر فيهما التحديد بأقل القليل علمنا أنه لم يكلفنا ذلك وإنما كلفنا الاجتهاد في التحري دون حقيقة الكيل والوزن ، وهذا أصل في جواز الاجتهاد في الأحكام وأن كل مجتهد مصيب وإن كانت الحقيقة المطلوبة بالاجتهاد واحدة ؛ لأنا قد علمنا أن للمقدار المطلوب من الكيل حقيقة معلومة عند الله تعالى قد أمرنا بتحريها والاجتهاد فيها ولم يكلفنا إصابتها ؛ إذ لم يجعل لنا دليلا عليها ، فكان كل [ ص: 197 ] ما أدانا إليه اجتهادنا من ذلك فهو الحكم الذي تعبدنا به . وقد يجوز أن يكون ذلك قاصرا عن تلك الحقيقة أو زائدا عليها ، ولكنه لما لم يجعل لنا سبيلا إليها أسقط حكمها عنا . ويدلك على أن تلك الحقيقة المطلوبة غير مدركة يقينا أنه قد يكال أو يوزن ثم يعاد عليه الكيل أو الوزن فيزيد أو ينقص لا سيما فيما كثر مقداره ؛ ولذلك قال الله تعالى : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها في هذا الموضع ، يعني أنه ليس عليه أكثر مما يتحراه باجتهاده . وقد استدل عيسى بن أبان بأمر الكيل والوزن على حكم المجتهدين في الأحكام وشبهه به .

التالي السابق


الخدمات العلمية