الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن [ ص: 350 ] إلى آخر الآيتين فيه الدلالة على أن من نذر نذرا فيه قربة لزمه الوفاء ؛ لأن العهد هو النذر والإيجاب نحو قوله : إن رزقني الله ألف درهم فعلي أن أتصدق منها بخمسمائة ، ونحو ذلك .

فانتظمت هذه الآية أحكاما ، منها : أن من نذر نذرا لزمه الوفاء بنفس المنذور لقوله تعالى : فلما آتاهم من فضله بخلوا به فعنفهم على ترك الوفاء بالمنذور بعينه ، وهذا يدل على بطلان قول من أوجب في شيء بعينه كفارة يمين وأبطل إيجاب إخراج المنذور بعينه ، ويدل أيضا على جواز تعليق النذر بشرط مثل أن يقول : إن قدم فلان فلله علي صدقة أو صيام ويدل أيضا على أن النذر المضاف إلى الملك إيجاب في الملك ، وإن لم يكن الملك موجودا في الحال ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا نذر فيما لا يملك ابن آدم ، وجعله الله تعالى نذرا في الملك وألزمه الوفاء به ، فثبت بذلك أن النذر في غير ملك أن يقول : لله علي أن أتصدق بثوب زيد ، أو نحوه وهو يدل على أن من قال لأجنبية : إن تزوجتك فأنت طالق ، أنه مطلق في نكاح لا قبل النكاح ، كما كان المضيف للنذر إلى الملك ناذرا في الملك .

ونظير ذلك في إيجاب نفس المنذور على موجبه قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون فاقتضى ذلك فعل المقول بعينه ، وإخراج كفارة يمين ليس هو المقول بعينه ، ونحوه قوله تعالى : وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم والوفاء بالعهد إنما هو فعل المعهود بعينه لا غير ، وقوله : وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وقوله يوفون بالنذر فمدحهم على فعل المنذور بعينه .

ومن نظائره قوله تعالى : وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها والابتداع قد يكون بالقول وبالفعل ، فاقتضى ذلك إيجاب كل ما ابتدعه الإنسان من قربة قولا أو فعلا لذم الله تعالى تارك ما ابتدع من القربة . وقد روي نحو ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في النذر ، وهو قوله : من نذر نذرا وسماه فعليه الوفاء به ومن نذر نذرا ولم يسمه فعليه كفارة يمين

التالي السابق


الخدمات العلمية