فصل: في الكفارة قبل الحنث
ومن يجيز
nindex.php?page=treesubj&link=16577الكفارة قبل الحنث يحتج بهذه الآية من وجهين : أحدهما : قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته فجعل ذلك كفارة عقيب عقد اليمين من غير ذكر الحنث ؛ لأن الفاء للتعقيب . والثاني : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم فأما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89بما عقدتم الأيمان فكفارته فإنه لا خلاف أن فيه ضميرا متى أراد إيجابها ، وقد علمنا لا محالة أن الآية قد تضمنت إيجاب الكفارة عند الحنث وأنها غير واجبة قبل
[ ص: 115 ] الحنث ، فثبت أن المراد : بما عقدتم الأيمان وحنثتم فيها فكفارته ، وهو كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر والمعنى : فأفطر فعدة من أيام أخر ؛ وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة فمعناه : فحلق ففدية من صيام ؛ كذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89بما عقدتم الأيمان فكفارته معناه : فحنثتم فكفارته ؛ لاتفاق الجميع أنها غير واجبة قبل الحنث ، وقد اقتضت الآية لا محالة إيجاب الكفارة وذلك لا يكون إلا بعد الحنث ، فثبت أن المراد ضمير الحنث فيه . وأيضا لما سماه كفارة علمنا أنه أراد التكفير بها في حال وجوبها ؛ لأن ما ليس بواجب فليس بكفارة على الحقيقة ولا يسمى بهذا الاسم ، فعلمنا أن المراد : إذا حنثتم فكفارته إطعام عشرة مساكين .
وكذلك قوله في نسق التلاوة :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم معناه : إذا حلفتم وحنثتم ؛ لما بيناه آنفا . فإن قيل : يجوز أن تسمى كفارة قبل وجوبها كما يسمى ما يعجله من الزكاة قبل الحول زكاة لوجوب السبب الذي هو النصاب ، وكما يسمى ما يعجله بعد الجراحة كفارة قبل وجود القتل وإن لم تكن واجبة في هذه الحال ، فكذلك يجوز أن يكون ما يعجله الحالف كفارة قبل الحنث ولا يحتاج إلى إثبات إضمار الحنث في جوازها قيل له : قد بينا أن الكفارة الواجبة بعد الحنث مرادة بالآية ، وإذا أريد بها الكفارة الواجبة امتنع أن ينتظم ما ليس منها لاستحالة كون لفظ واحد مقتضيا للإيجاب ولما ليس بواجب ، فمن حيث أريد بها الواجب انتفى ما ليس منها بواجب . وأيضا فقد ثبت أن المتبرع بالطعام ونحوه لا يكون مكفرا بما يتبرع به إذا لم يحلف ، فلما كان المكفر قبل الحنث متبرعا بما أعطى ، ثبت أن ما أخرج ليس بكفارة ومتى فعله لم يكن فاعلا للمأمور به ، وأما إعطاء كفارة القتل قبل الموت بعد الجراحة وتعجيل الزكاة قبل الحول ، فإن جميع ما أخرج هؤلاء تطوع وليس بكفارة ولا زكاة ، وإنما أجزناه لما قامت الدلالة أن إخراج هذا التطوع يمنع لزوم الفرض بوجود الموت وحئول الحول .
فَصَلٌ: فِي اَلْكَفَّارَةِ قَبْلَ اَلْحِنْثِ
وَمَنْ يُجِيزُ
nindex.php?page=treesubj&link=16577الْكَفَّارَةَ قَبْلَ الْحِنْثِ يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ فَجَعَلَ ذَلِكَ كَفَّارَةً عَقِيبَ عَقْدِ الْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْحِنْثِ ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ . وَالثَّانِي : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ فَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ فِيهِ ضَمِيرًا مَتَى أَرَادَ إِيجَابَهَا ، وَقَدْ عَلِمْنَا لَا مَحَالَةَ أَنَّ الْآيَةَ قَدْ تَضَمَّنَتْ إِيجَابَ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْحِنْثِ وَأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ قَبْلَ
[ ص: 115 ] الْحِنْثِ ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ : بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ وَحَنِثْتُمْ فِيهَا فَكَفَّارَتُهُ ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَالْمَعْنَى : فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ؛ وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ فَمَعْنَاهُ : فَحَلَقَ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ ؛ كَذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ مَعْنَاهُ : فَحَنِثْتُمْ فَكَفَّارَتُهُ ؛ لِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ قَبْلَ الْحِنْثِ ، وَقَدِ اقْتَضَتِ الْآيَةُ لَا مَحَالَةَ إِيجَابَ الْكَفَّارَةِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ ضَمِيرُ الْحِنْثِ فِيهِ . وَأَيْضًا لَمَّا سَمَّاهُ كَفَّارَةً عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ التَّكْفِيرَ بِهَا فِي حَالِ وُجُوبِهَا ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَيْسَ بِكَفَّارَةٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَلَا يُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ ، فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ : إِذَا حَنِثْتُمْ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي نَسَقِ التِّلَاوَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ مَعْنَاهُ : إِذَا حَلَفْتُمْ وَحَنِثْتُمْ ؛ لِمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا . فَإِنْ قِيلَ : يَجُوزُ أَنْ تُسَمَّى كَفَّارَةً قَبْلَ وُجُوبِهَا كَمَا يُسَمَّى مَا يُعَجِّلُهُ مِنَ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ زَكَاةً لِوُجُوبِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ النِّصَابُ ، وَكَمَا يُسَمَّى مَا يُعَجِّلُهُ بَعْدَ الْجِرَاحَةِ كَفَّارَةً قَبْلَ وُجُودِ الْقَتْلِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً فِي هَذِهِ الْحَالِ ، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا يُعَجِّلُهُ الْحَالِفُ كَفَّارَةً قَبْلَ الْحِنْثِ وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى إِثْبَاتِ إِضْمَارِ الْحِنْثِ فِي جَوَازِهَا قِيلَ لَهُ : قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْكَفَّارَةَ الْوَاجِبَةَ بَعْدَ الْحِنْثِ مُرَادَةٌ بِالْآيَةِ ، وَإِذَا أُرِيدَ بِهَا الْكَفَّارَةُ الْوَاجِبَةُ امْتَنَعَ أَنْ يَنْتَظِمَ مَا لَيْسَ مِنْهَا لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ لَفْظٍ وَاحِدٍ مُقْتَضِيًا لِلْإِيجَابِ وَلِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ ، فَمِنْ حَيْثُ أُرِيدَ بِهَا الْوَاجِبُ انْتَفَى مَا لَيْسَ مِنْهَا بِوَاجِبٍ . وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْمُتَبَرِّعَ بِالطَّعَامِ وَنَحْوِهِ لَا يَكُونُ مُكَفِّرًا بِمَا يَتَبَرَّعُ بِهِ إِذَا لَمْ يَحْلِفْ ، فَلَمَّا كَانَ الْمُكَفِّرُ قَبْلَ الْحِنْثِ مُتَبَرِّعًا بِمَا أَعْطَى ، ثَبَتَ أَنَّ مَا أَخْرَجَ لَيْسَ بِكَفَّارَةٍ وَمَتَى فَعَلَهُ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا لِلْمَأْمُورِ بِهِ ، وَأَمَّا إِعْطَاءُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ قَبْلَ الْمَوْتِ بَعْدَ الْجِرَاحَةِ وَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ ، فَإِنَّ جَمِيعَ مَا أَخْرَجَ هَؤُلَاءِ تَطَوُّعٌ وَلَيْسَ بِكَفَّارَةٍ وَلَا زَكَاةٍ ، وَإِنَّمَا أَجَزْنَاهُ لَمَّا قَامَتِ الدَّلَالَةُ أَنَّ إِخْرَاجَ هَذَا التَّطَوُّعِ يَمْنَعُ لُزُومَ الْفَرْضِ بِوُجُودِ الْمَوْتِ وَحُئُولُ الْحَوْلِ .