الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : إنما النسيء زيادة في الكفر فالنسيء التأخير ، ومنه البيع بنسيئة ، وأنسأت البيع أخرته و ما ننسخ من آية أو ننسها أي نؤخرها ، ونسئت المرأة إذا حبلت لتأخر حيضها ، ونسئت الناقة إذا دفعتها في السير لأنك زجرتها عن التأخر والمنسأة العصا التي ينسأ بها الأذى ويزجر ويساق بها فيمنع من التأخر . ومراد الله تعالى ذكره النسيء في هذا الموضع ما كانت العرب تفعله من تأخير الشهور ، فكان يقع الحج في غير وقته واعتقاد حرمة الشهور في غير زمانه ، فقال ابن عباس : كانوا يجعلون المحرم صفرا ، وقال ابن أبي نجيح ، وغيره : { كانت قريش تدخل في كل ستة أشهر أياما يوافقون ذا الحجة في كل ثلاث عشرة سنة ، فوفق الله تعالى رسوله في حجته استدارة زمانهم كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ، فاستقام الإسلام على عدد الشهور ووقف الحج على ذي الحجة } . وقال ابن إسحاق : { كان ملك من العرب يقال له القلمس ، واسمه حذيفة أول من أنسأ النسيء ، أنسأ المحرم فكان يحله عاما ، ويحرمه عاما ، فكان إذا حرمه كانت ثلاث حرمات متواليات ، وهي العدة التي حرم الله في عهد إبراهيم صلوات الله عليه ، فإذا أحله دخل مكانه صفر في المحرم لتواطئ العدة ، يقول : قد أكملت الأربعة كما كانت لأني لم أحل شهرا إلا قد حرمت مكانه شهرا ، فحج النبي صلى الله عليه وسلم وقد عاد المحرم إلى ما كان عليه في الأصل ، فأنزل الله تعالى : إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فأخبر الله أن النسيء الذي كانوا يفعلونه كفرا ؛ لأن الزيادة في الكفر لا تكون إلا كفرا ، لاستحلالهم ما حرم الله ، وتحريمهم ما أحل الله ، فكان القوم كفارا باعتقادهم الشرك ثم ازدادوا كفرا بالنسيء } .

التالي السابق


الخدمات العلمية