قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم الآية . لما أكذبهم الله في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42لو استطعنا لخرجنا معكم دل على أنهم كانوا مستطيعين ، ولم يخرجوا ، وهذا يدل على بطلان مذهب الجبر في أن المكلفين غير مستطيعين لما كلفوا في حال التكليف قبل وقوع الفعل منهم ؛ لأن الله تعالى قد أكذبهم في نفيهم الاستطاعة عن أنفسهم قبل الخروج . وفيه دلالة على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه أخبر أنهم سيحلفون ، فجاءوا فحلفوا كما أخبر أنه سيكون منهم . قوله تعالى :
[ ص: 317 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=43عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا العفو ينصرف على وجوه :
أحدها : التسهيل والتوسعة ، كقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=8813أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله . والعفو الترك ، كقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=657388أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى والعفو الكثرة ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=95حتى عفوا يعني : كثروا ، وأعفيت فلانا من كذا وكذا إذا سهلت له تركه ، والعفو الصفح عن الذنب ، وهو إعفاؤه من تبعته وترك العقاب عليه ، وهو مثل الغفران في هذا الموضع ، وجائز أن يكون أصله التسهيل ، فإذا عفا عن ذنبه فلم يستقص عليه ، وسهل عليه الأمر ، وكذلك سائر الوجوه التي تنصرف عليها هذه الكلمة يجوز أن يكون أصلها الترك والتوسعة . ومن الناس من يقول : إنه قد كان من النبي صلى الله عليه وسلم ذنب صغير في إذنه لهم ، ولهذا قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=43عفا الله عنك لم أذنت لهم إذ لا يجوز أن تقول لم فعلت ما جعلت لك فعله ؟ كما لا يجوز أن تقول لم فعلت ما أمرتك بفعله ؟ قالوا : فغير جائز إطلاق العفو عما قد جعل له فعله ، كما لا يجوز أن يعفو عنه ما أمره به . وقيل : إنه جائز أن لا تكون منه معصية في الإذن لهم لا صغيرة ولا كبيرة ، وإنما عاتبه بأن قال : لم فعلت ما جعلت لك فعله مما غيره أولى منه ؟ إذ جائز أن يكون مخيرا بين فعلين ، وأحدهما أولى من الآخر ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=60فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن فأباح الأمرين وجعل أحدهما أولى ، وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=43عفا الله عنك لم أذنت لهم كانت كما تسمعون ثم أنزل الله في سورة النور :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=62وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=62فأذن لمن شئت منهم فجعله الله تعالى رخصة في ذلك .
وروى
علي بن أبي طلحة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45يترددون هذا بعينه للمنافقين حين استأذنوه للقعود عن الجهاد من غير عذر ، وعذر الله المؤمنين فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=62وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله قال : { نسخها قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=62وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=62فأذن لمن شئت منهم فجعل الله تعالى رسوله بأعلى النظرين } . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر جائز أن يكون قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=43عفا الله عنك لم أذنت لهم في قوم من المنافقين لحقتهم تهمة ، فكان يمكن النبي صلى الله عليه وسلم استبراء أمرهم بترك الإذن لهم ، فيظهر نفاقهم إذا لم يخرجوا بعد الأمر بالخروج ، ويكون ذلك حكما ثابتا في أولئك . ويدل عليه
[ ص: 318 ] قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=43حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ويكون قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=62وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=62فأذن لمن شئت منهم في المؤمنين الذين لو لم يأذن لهم لم يذهبوا ، فلا تكون إحدى الآيتين ناسخة للأخرى . قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=44لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=44بأموالهم الآية . يعني : لا يستأذنك المؤمنون في التخلف عن الجهاد ؛ لأن لا يجاهدوا وأضمر { لا } في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=44أن يجاهدوا لدلالة الكلام عليه ، وهذا يدل على أن الاستئذان في التخلف كان محظورا عليهم ، ويدل على صحة تأويل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=43عفا الله عنك على أنه عفو عن ذنب ، وإن كان صغيرا ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=44أن يجاهدوا أنه على تقدير كراهة أن يجاهدوا ، وهو يؤول إلى المعنى الأول لأن إضمار { لا } فيه وإضمار الكراهة سواء ، وهذه الآية أيضا تدل على وجوب فرض الجهاد بالمال والنفس جميعا ؛ لأنه قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=44أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فذمهم على
nindex.php?page=treesubj&link=7918_27390الاستئذان في ترك الجهاد بهما .
والجهاد بالمال يكون على وجهين :
أحدهما إنفاق المال في إعداد الكراع والسلاح والآلة والراحلة والزاد ، وما جرى مجراه مما يحتاج إليه لنفسه . والثاني إنفاق المال على غيره مما يجاهد ، ومعونته بالزاد والعدة ونحوها .
والجهاد بالنفس على ضروب : منها الخروج بنفسه ، ومباشرة القتال ، ومنها بيان ما افترض الله من الجهاد ، وذكر الثواب الجزيل لمن قام به ، والعقاب لمن قعد عنه ، ومنها التحريض والأمر ، ومنها الإخبار بعورات العدو ، وما يعلمه من مكايد الحرب وسداد الرأي وإرشاد المسلمين إلى الأولى والأصلح في أمر الحروب ، كما قال
الخباب بن المنذر حين
نزل النبي صلى الله عليه وسلم ببدر فقال : يا رسول الله أهذا رأي رأيته أم وحي ؟ فقال : بل رأي رأيته قال : فإني أرى أن تنزل على الماء ، وتجعله خلف ظهرك ، وتغور الآبار التي في ناحية العدو ، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، ونحو ذلك من كل قول يقوي أمر المسلمين ، ويوهن أمر العدو .
فإن قيل : فأي الجهادين أفضل أجهاد النفس والمال أم جهاد العلم ؟ قيل له : الجهاد بالسيف مبني على جهاد العلم وفرع عليه ؛ لأنه غير جائز أن يعدوا في جهاد السيف ما يوجبه العلم ، فجهاد العلم أصل وجهاد النفس فرع ، والأصل أولى بالتفضيل من الفرع .
فإن قيل : تعلم العلم أفضل أم جهاد المشركين ؟ قيل له : إذا خيف معرة العدو وإقدامهم على المسلمين ، ولم يكن بإزائه من يدفعه فقد تعين فرض الجهاد على كل أحد ، فالاشتغال في هذه الحال بالجهاد أفضل من تعلم العلم ؛ لأن ضرر العدو إذا وقع
[ ص: 319 ] بالمسلمين لم يمكن تلافيه ، وتعلم العلم ممكن في سائر الأحوال ، ولأن تعلم العلم فرض على الكفاية لا على كل أحد في خاصة نفسه ، ومتى لم يكن بإزاء العدو من يدفعه عن المسلمين فقد تعين فرض الجهاد على كل أحد ، وما كان فرضا معينا على الإنسان غير موسع عليه في التأخير فهو أولى من الفرض الذي قام به غيره ، وسقط عنه بعينه ، وذلك مثل الاشتغال بصلاة الظهر في آخر وقتها هو أولى من تعلم علم الدين في تلك الحال إذ كان الفرض قد تعين عليه في هذا الوقت ، فإن قام بفرض الجهاد من فيه كفاية وغنى فقد عاد فرض الجهاد إلى حكم الكفاية كتعلم العلم ، إلا أن الاشتغال بالعلم في هذه الحال أولى ، وأفضل من الجهاد لما قدمنا من علو مرتبة العلم ، على مرتبة الجهاد ، فإن ثبات الجهاد بثبات العلم وإنه فرع له ومبني عليه
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ الْآيَةَ . لَمَّا أَكْذَبَهُمُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=42لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُسْتَطِيعِينَ ، وَلَمْ يَخْرُجُوا ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ مَذْهَبِ الْجَبْرِ فِي أَنَّ الْمُكَلَّفِينَ غَيْرُ مُسْتَطِيعِينَ لِمَا كُلِّفُوا فِي حَالِ التَّكْلِيفِ قَبْلَ وُقُوعِ الْفِعْلِ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَكْذَبَهُمْ فِي نَفْيِهِمُ الِاسْتِطَاعَةَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ قَبْلَ الْخُرُوجِ . وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ سَيَحْلِفُونَ ، فَجَاءُوا فَحَلَفُوا كَمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ سَيَكُونُ مِنْهُمْ . قَوْلُهُ تَعَالَى :
[ ص: 317 ] nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=43عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا الْعَفْوُ يَنْصَرِفُ عَلَى وُجُوهٍ :
أَحَدِهَا : التَّسْهِيلُ وَالتَّوْسِعَةُ ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=8813أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ . وَالْعَفْوُ التَّرْكُ ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=657388أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى وَالْعَفْوُ الْكَثْرَةُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=95حَتَّى عَفَوْا يَعْنِي : كَثُرُوا ، وَأَعْفَيْتُ فُلَانًا مِنْ كَذَا وَكَذَا إِذَا سَهَّلْتَ لَهُ تَرْكَهُ ، وَالْعَفْوُ الصَّفْحُ عَنِ الذَّنْبِ ، وَهُوَ إِعْفَاؤُهُ مِنْ تَبِعَتِهِ وَتَرْكِ الْعِقَابِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مِثْلُ الْغُفْرَانِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ التَّسْهِيلَ ، فَإِذَا عَفَا عَنْ ذَنْبِهِ فَلَمْ يَسْتَقْصِ عَلَيْهِ ، وَسَهَّلَ عَلَيْهِ الْأَمْرَ ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْوُجُوهِ الَّتِي تَنْصَرِفُ عَلَيْهَا هَذِهِ الْكَلِمَةُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهَا التَّرْكَ وَالتَّوْسِعَةَ . وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَنْبٌ صَغِيرٌ فِي إِذْنِهِ لَهُمْ ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=43عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ إِذْ لَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ لِمَ فَعَلْتَ مَا جَعَلْتَ لَكَ فِعْلَهُ ؟ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ لِمَ فَعَلْتَ مَا أَمَرْتُكَ بِفِعْلِهِ ؟ قَالُوا : فَغَيْرُ جَائِزٍ إِطْلَاقُ الْعَفْوِ عَمَّا قَدْ جَعَلَ لَهُ فِعْلَهُ ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ . وَقِيلَ : إِنَّهُ جَائِزٌ أَنْ لَا تَكُونَ مِنْهُ مَعْصِيَةٌ فِي الْإِذْنِ لَهُمْ لَا صَغِيرَةٌ وَلَا كَبِيرَةٌ ، وَإِنَّمَا عَاتَبَهُ بِأَنْ قَالَ : لِمَ فَعَلْتَ مَا جَعَلْتَ لَكَ فِعْلَهُ مِمَّا غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ ؟ إِذْ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا بَيْنَ فِعْلَيْنِ ، وَأَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=60فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ فَأَبَاحَ الْأَمْرَيْنِ وَجَعَلَ أَحَدَهُمَا أَوْلَى ، وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16102شُعْبَةُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=43عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ كَانَتْ كَمَا تَسْمَعُونَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي سُورَةِ النُّورِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=62وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=62فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ فَجَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى رُخْصَةً فِي ذَلِكَ .
وَرَوَى
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45يَتَرَدَّدُونَ هَذَا بِعَيْنِهِ لِلْمُنَافِقِينَ حِينَ اسْتَأْذَنُوهُ لِلْقُعُودِ عَنِ الْجِهَادِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ، وَعَذَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=62وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16566عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=45إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ قَالَ : { نَسَخَهَا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=62وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=62فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ بِأَعْلَى النَّظَرَيْنِ } . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11943أَبُو بَكْرٍ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=43عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ لَحِقَتْهُمْ تُهْمَةٌ ، فَكَانَ يُمْكِنُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِبْرَاءُ أَمْرِهِمْ بِتَرْكِ الْإِذْنِ لَهُمْ ، فَيَظْهَرُ نِفَاقُهُمْ إِذَا لَمْ يَخْرُجُوا بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْخُرُوجِ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ حُكْمًا ثَابِتًا فِي أُولَئِكَ . وَيَدُلُّ عَلَيْهِ
[ ص: 318 ] قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=43حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ وَيَكُونُ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=62وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=62فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ فِي الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ لَمْ يَذْهَبُوا ، فَلَا تَكُونُ إِحْدَى الْآيَتَيْنِ نَاسِخَةً لِلْأُخْرَى . قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=44لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=44بِأَمْوَالِهِمْ الْآيَةَ . يَعْنِي : لَا يَسْتَأْذِنُكَ الْمُؤْمِنُونَ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجِهَادِ ؛ لَأَنْ لَا يُجَاهِدُوا وَأَضْمَرَ { لَا } فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=44أَنْ يُجَاهِدُوا لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِئْذَانَ فِي التَّخَلُّفِ كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِمْ ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=43عَفَا اللَّهُ عَنْكَ عَلَى أَنَّهُ عَفْوٌ عَنْ ذَنْبٍ ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا ، وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=44أَنْ يُجَاهِدُوا أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ كَرَاهَةِ أَنْ يُجَاهِدُوا ، وَهُوَ يُؤَوَّلُ إِلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ إِضْمَارَ { لَا } فِيهِ وَإِضْمَارَ الْكَرَاهَةِ سَوَاءٌ ، وَهَذِهِ الْآيَةُ أَيْضًا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ فَرْضِ الْجِهَادِ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=44أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَذَمَّهُمْ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=7918_27390الِاسْتِئْذَانِ فِي تَرْكِ الْجِهَادِ بِهِمَا .
وَالْجِهَادُ بِالْمَالِ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ :
أَحَدِهِمَا إِنْفَاقُ الْمَالِ فِي إِعْدَادِ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَالْآلَةِ وَالرَّاحِلَةِ وَالزَّادِ ، وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِنَفْسِهِ . وَالثَّانِي إِنْفَاقُ الْمَالِ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا يُجَاهِدُ ، وَمَعُونَتُهُ بِالزَّادِ وَالْعُدَّةِ وَنَحْوِهَا .
وَالْجِهَادُ بِالنَّفْسِ عَلَى ضُرُوبٍ : مِنْهَا الْخُرُوجُ بِنَفْسِهِ ، وَمُبَاشَرَةُ الْقِتَالِ ، وَمِنْهَا بَيَانُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ مِنَ الْجِهَادِ ، وَذِكْرُ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ لِمَنْ قَامَ بِهِ ، وَالْعِقَابِ لِمَنْ قَعَدَ عَنْهُ ، وَمِنْهَا التَّحْرِيضُ وَالْأَمْرُ ، وَمِنْهَا الْإِخْبَارُ بِعَوْرَاتِ الْعَدُوِّ ، وَمَا يَعْلَمُهُ مِنْ مَكَايِدِ الْحَرْبِ وَسَدَادِ الرَّأْيِ وَإِرْشَادِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْأَوْلَى وَالْأَصْلَحِ فِي أَمْرِ الْحُرُوبِ ، كَمَا قَالَ
الْخَبَّابُ بْنُ الْمُنْذِرِ حِينَ
نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهَذَا رَأْيٌ رَأَيْتَهُ أَمْ وَحْيٌ ؟ فَقَالَ : بَلْ رَأْيٌ رَأَيْتُهُ قَالَ : فَإِنِّي أَرَى أَنْ تَنْزِلَ عَلَى الْمَاءِ ، وَتَجْعَلَهُ خَلْفَ ظَهْرِكَ ، وَتُغْوِرَ الْآبَارَ الَّتِي فِي نَاحِيَةِ الْعَدُوِّ ، فَفَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ قَوْلٍ يُقَوِّي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ ، وَيُوهِنُ أَمْرَ الْعَدُوِّ .
فَإِنْ قِيلَ : فَأَيُّ الْجِهَادَيْنِ أَفْضَلُ أَجِهَادُ النَّفْسِ وَالْمَالِ أَمْ جِهَادُ الْعِلْمِ ؟ قِيلَ لَهُ : الْجِهَادُ بِالسَّيْفِ مَبْنِيٌّ عَلَى جِهَادِ الْعِلْمِ وَفُرِّعَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَعُدُّوا فِي جِهَادِ السَّيْفِ مَا يُوجِبُهُ الْعِلْمُ ، فَجِهَادُ الْعِلْمِ أَصْلٌ وَجِهَادُ النَّفْسِ فَرْعٌ ، وَالْأَصْلُ أَوْلَى بِالتَّفْضِيلِ مِنَ الْفَرْعِ .
فَإِنْ قِيلَ : تَعَلُّمُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ أَمْ جِهَادُ الْمُشْرِكِينَ ؟ قِيلَ لَهُ : إِذَا خِيفَ مَعَرَّةُ الْعَدُوِّ وَإِقْدَامُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَلَمْ يَكُنْ بِإِزَائِهِ مَنْ يَدْفَعُهُ فَقَدْ تَعَيَّنَ فَرْضُ الْجِهَادِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ ، فَالِاشْتِغَالُ فِي هَذِهِ الْحَالِ بِالْجِهَادِ أَفْضَلُ مِنْ تَعَلُّمِ الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْعَدُوِّ إِذَا وَقَعَ
[ ص: 319 ] بِالْمُسْلِمِينَ لَمْ يُمْكِنْ تَلَافِيهِ ، وَتَعَلُّمُ الْعِلْمِ مُمْكِنٌ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ ، وَلِأَنَّ تَعَلُّمَ الْعِلْمِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ لَا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ ، وَمَتَى لَمْ يَكُنْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ مَنْ يَدْفَعُهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ تَعَيَّنَ فَرْضُ الْجِهَادِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ ، وَمَا كَانَ فَرْضًا مُعَيَّنًا عَلَى الْإِنْسَانِ غَيْرَ مُوَسَّعٍ عَلَيْهِ فِي التَّأْخِيرِ فَهُوَ أَوْلَى مِنَ الْفَرْضِ الَّذِي قَامَ بِهِ غَيْرُهُ ، وَسَقَطَ عَنْهُ بِعَيْنِهِ ، وَذَلِكَ مِثْلُ الِاشْتِغَالِ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ فِي آخِرِ وَقْتِهَا هُوَ أَوْلَى مِنْ تَعَلُّمِ عِلْمِ الدِّينِ فِي تِلْكَ الْحَالِ إِذْ كَانَ الْفَرْضُ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْوَقْتِ ، فَإِنْ قَامَ بِفَرْضِ الْجِهَادِ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ وَغِنًى فَقَدْ عَادَ فَرْضُ الْجِهَادِ إِلَى حُكْمِ الْكِفَايَةِ كَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ ، إِلَّا أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْحَالِ أَوْلَى ، وَأَفْضَلُ مِنَ الْجِهَادِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ عُلُوِّ مَرْتَبَةِ الْعِلْمِ ، عَلَى مَرْتَبَةِ الْجِهَادِ ، فَإِنَّ ثَبَاتَ الْجِهَادِ بِثَبَاتِ الْعِلْمِ وَإِنَّهُ فَرْعٌ لَهُ وَمَبْنِيٌّ عَلَيْهِ