وقوله تعالى : والعاملين عليها  فإنهم السعاة لجباية الصدقة ؛ روي عن  عبد الله بن عمر  أنهم يعطون بقدر عمالتهم ، وعن  عمر بن عبد العزيز  مثله . ولا نعلم خلافا بين الفقهاء أنهم لا يعطون الثمن ، وأنهم يستحقون منها بقدر عملهم   . وهذا يدل على بطلان قول من أوجب قسمة الصدقات على ثمانية ، ويدل أيضا على أن أخذ الصدقات إلى الإمام ، وأنه لا يجزي أن يعطى رب الماشية صدقتها الفقراء فإن فعل أخذها الإمام ثانيا ، ولم يحتسب له بما أدى ؛ وذلك لأنه لو جاز لأرباب الأموال أداؤها إلى الفقراء لما احتيج إلى عامل لجبايتها فيضر بالفقراء والمساكين ، فدل ذلك على أن أخذها إلى الإمام ، وأنه لا يجوز له إعطاؤها الفقراء 
قوله تعالى : والمؤلفة قلوبهم  فإنهم كانوا قوما يتألفون على الإسلام بما يعطون من الصدقات ، وكانوا يتألفون بجهات ثلاث : إحداها للكفار لدفع معرتهم ، وكف أذيتهم عن المسلمين ، والاستعانة بهم على غيرهم من المشركين ، والثانية : لاستمالة قلوبهم وقلوب غيرهم من الكفار إلى الدخول في الإسلام ، ولئلا يمنعوا من أسلم من قومهم من الثبات على الإسلام ، ونحو ذلك من الأمور ، والثالثة إعطاء قوم من المسلمين حديثي العهد بالكفر لئلا يرجعوا إلى الكفر . وقد روى  الثوري  عن أبيه عن أبي نعيم  عن  أبي سعيد الخدري  قال : بعث  علي بن أبي طالب  بذهبة في أديم مقروظ ، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين زيد الخير  ، والأقرع بن حابس  وعيينة بن حصن  ، وعلقمة بن علاثة  ، فغضبت قريش  ، والأنصار  ، وقالوا : يعطي صناديد أهل نجد  قال : إنما أتألفهم روى  ابن أبي ذئب  عن  الزهري  عن  عامر بن سعد  عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأعطي الرجل العطاء ، وغيره أحب إلي منه ، وما أفعل ذلك إلا مخافة أن يكبه الله في نار جهنم على وجهه . وروى  عبد الرزاق   : أخبرنا  معمر  عن  الزهري  قال : أخبرني  أنس بن مالك  أن ناسا من الأنصار قالوا يوم حنين حين أفاء الله على رسوله أموال هوازن  وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطى رجالا  [ ص: 325 ] من قريش المائة من الإبل كل رجل منهم ، فذكر حديثا فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم أصانعهم أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال ، وترجعون برسول الله إلى رحالكم ؟ وهذا يدل على أنه قد كان يتألف بما يعطي قوما من المسلمين حديثي عهد بالإسلام لئلا يرجعوا كفارا . 
وروى  الزهري  عن  سعيد بن المسيب  عن  صفوان بن أمية  قال : أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنه لأبغض الناس إلي ، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إلي وروى محمود بن لبيد  عن  أبي سعيد الخدري  قال : لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم بحنين ، وقسم للمتألفين من قريش ، وفي سائر العرب ما قسم ، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم ، وذكر الحديث ، وقال فيه : 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم : أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها أقواما ليسلموا ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الإسلام ففي هذا الحديث أنه تألفهم ليسلموا ، وفي الأول : إني لأعطي رجالا حديثي عهد بكفر ، فدل على أنه قد كان يتألف بذلك المسلمين والكفار جميعا . وقد اختلف في المؤلفة قلوبهم ، فقال أصحابنا : { إنما كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام في حال قلة عدد المسلمين ، وكثرة عدوهم ، وقد أعز الله الإسلام وأهله ، واستغنى بهم عن تألف الكفار ، فإن احتاجوا إلى ذلك فإنما ذلك لتركهم الجهاد ، ومتى اجتمعوا وتعاضدوا لم يحتاجوا إلى تألف غيرهم بمال يعطونه من أموال المسلمين } . 
وقد روي نحو قول أصحابنا عن جماعة من السلف  ؛ روى عبد الرحمن بن محمد المحاربي  عن حجاج بن دينار  عن  ابن سيرين  عن عبيدة  قال : جاء عيينة بن حصن  ، والأقرع بن حابس  إلى  أبي بكر  فقالا : يا خليفة رسول الله إن عندنا أرضا سبخة ليس فيها كلأ ولا منفعة فإن رأيت أن تعطيناها فأقطعها إياهما ، وكتب لهما عليها كتابا وأشهد ، وليس في القوم  عمر  ، فانطلقا إلى  عمر  ليشهد لهما ، فلما سمع  عمر  ما في الكتاب تناوله من أيديهما ثم تفل فيه فمحاه فتذمرا ، وقالا مقالة سيئة ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتألفكما والإسلام يومئذ قليل ، وإن الله قد أغنى الإسلام ، اذهبا فاجهدا جهدكما لا يرعى الله عليكما إن رعيتما . 
قال  أبو بكر  رحمه الله : فترك  أبي بكر الصديق  رضي الله عنه النكير على  عمر  فيما فعله بعد إمضائه الحكم يدل على أنه عرف مذهب عمر فيه حين نبهه عليه ، وأن سهم المؤلفة قلوبهم كان مقصورا على الحال التي كان عليها أهل الإسلام من قلة العدد وكثرة عدد الكفار ، وأنه لم ير الاجتهاد سائغا في  [ ص: 326 ] ذلك ؛ لأنه لو سوغ الاجتهاد فيه لما أجاز فسخ الحكم الذي أمضاه ، فلما أجاز له ذلك دل على أنه عرف بتنبيه  عمر  إياه على ذلك امتناع جواز الاجتهاد في مثله . 
وروى  إسرائيل  عن  جابر  عن أبي جعفر  قال : { ليس اليوم مؤلفة قلوبهم } . 
وروى  إسرائيل  أيضا عن جابر بن عامر  في المؤلفة قلوبهم قال : { كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استخلف  أبو بكر  انقطع الرشا } . 
وروى  ابن أبي زائدة  عن مبارك  عن  الحسن  قال : ليس مؤلفة قلوبهم كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وروى معقل بن عبيد الله  قال : سألت  الزهري  عن المؤلفة قلوبهم ، قال : من أسلم من يهودي أو نصراني ، قلت : وإن كان غنيا ؟ قال : وإن كان غنيا . 
				
						
						
