فيما يعطى مسكين واحد من الزكاة كان
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة يكره أن يعطى إنسان من الزكاة مائتي درهم ، وإن أعطيته أجزاك ولا بأس بأن تعطيه أقل من مائتي درهم ، قال : { وأن يغني بها إنسانا أحب إلي } .
وروى
هشام عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف في رجل له مائة وتسعة وتسعون درهما فتصدق عليه بدرهمين : { أنه يقبل واحدا
[ ص: 343 ] ويرد واحدا } فقد أجاز له أن يقبل تمام المائتين ، وكره أن يقبل ما فوقها ، وأما
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس فإنه يرد الأمر فيه إلى الاجتهاد من غير توقيف ، وقول
nindex.php?page=showalam&ids=16438ابن شبرمة فيه كقول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري : لا يعطى من الزكاة أكثر من خمسين درهما إلا أن يكون غارما وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=14117الحسن بن صالح ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث : يعطى مقدار ما يبتاع به خادما إذا كان ذا عيال ، والزكاة كثيرة . ولم يحد
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي شيئا ، واعتبر ما يرفع الحاجة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=60إنما الصدقات للفقراء والمساكين ليس فيه تحديد مقدار ما يعطى كل واحد منهم ، وقد علمنا أنه لم يرد به تفريقها على الفقراء على عدد الرءوس لامتناع ذلك وتعذره ، فثبت أن المراد دفعها إلى بعض أي بعض كان ، وأقلهم واحد ، ومعلوم أن كل واحد من أرباب الأموال مخاطب بذلك فاقتضى ذلك جواز دفع كل واحد منهم جميع صدقته إلى فقير واحد قل المدفوع أو كثر ، فوجب بظاهر الآية جواز
nindex.php?page=treesubj&link=3134_26564دفع المال الكثير من الزكاة إلى واحد من الفقراء من غير تحديد لمقداره . وأيضا فإن الدفع والتمليك يصادفانه ، وهو فقير ، فلا فرق بين دفع القليل والكثير لحصول التمليك في الحالتين للفقير ، وإنما كره
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة أن يعطى إنسان مائتي درهم ؛ لأن المائتين هي النصاب الكامل فيكون غنيا مع تمام ملك الصدقة ، ومعلوم أن الله تعالى إنما أمر بدفع الزكوات إلى الفقراء لينتفعوا بها ، ويتملكوها ، فلا يحصل له التمكين من الانتفاع إلا ، وهو غني ؛ فكره من أجل ذلك دفع نصاب كامل ، ومتى دفع إليه أقل من النصاب فإنه يملكه ، ويحصل له الانتفاع بها ، وهو فقير فلم يكرهه ، إذ القليل والكثير سواء في هذا الوجه إذا لم يصر غنيا ، فالنصاب عند وقوع التمليك والتمكين من الانتفاع . وأما قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة : { وأن يغني بها إنسانا أحب إلي } فإنه لم يرد به الغنى الذي تجب عليه به الزكاة ، وإنما أراد أن يعطيه ما يستغني به عن المسألة ويكف به وجهه ويتصرف به في ضرب من المعاش .
واختلف
nindex.php?page=treesubj&link=3256فيمن أعطى زكاته رجلا ظاهره الفقر فأعطاه على ذلك ثم تبين أنه غني فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد : { يجزيه ، وكذلك إن دفعها إلى ابنه أو إلى ذمي ، وهو لا يعلم ثم علم أنه يجزيه } . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف : { لا يجزيه } ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة في ذلك إلى ما روي في حديث
معن بن يزيد أن أباه أخرج صدقة فدفعها إليه ليلا ، وهو لا يعرفه فلما أصبح وقف عليه فقال : ما إياك أردت ، واختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له :
nindex.php?page=hadith&LINKID=65193لك ما نويت يا يزيد ، وقال
لمعن :
nindex.php?page=hadith&LINKID=651333لك ما أخذت ، ولم يسأله أنويتها من الزكاة أو غيرها بل قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=65193لك ما نويت ، فدل على جوازها إن نواها زكاة ،
[ ص: 344 ] وأيضا فإن الصدقة على هؤلاء قد تكون صدقة صحيحة من وجه في غير حال الضرورة ، وهو أن يتصدق عليهم صدقة التطوع ، فأشبهت من هذا الوجه الصلاة إلى
الكعبة إذا أداها باجتهاد صحيح ثم تبين أنه أخطأها كانت صلاته ماضية ، إذ كانت الصلاة إلى غير جهة
الكعبة قد تكون صلاة صحيحة من غير ضرورة ، وهو المصلي تطوعا على الراحلة ، فكان إعطاء الزكاة باجتهاد مشبها لأداء الصلاة باجتهاد على النحو الذي ذكرنا .
فإن قيل : إنما يشبه مسألة الزكاة
nindex.php?page=treesubj&link=24087من توضأ بماء يظنه طاهرا ثم علم أنه كان نجسا فلا تجزيه صلاته ؛ لأنه صار من اجتهاد إلى يقين ، كذلك مؤدي الزكاة إلى غني أو ابنه أو ذمي إذا علم فقد صار من اجتهاد إلى يقين ، فبطل حكم اجتهاده ووجبت عليه الإعادة . قيل له : ليس كذلك ؛ لأن الوضوء بالماء النجس لا يكون طهارة بحال فلم يكن للاجتهاد تأثير في جوازه ، وترك القبلة جائز في أحوال ، فمسألتنا بما ذكرناه أشبه .
فإن قيل : الصلاة قد تجوز في الثوب النجس في حال ، ومع ذلك فلو أداها باجتهاد منه في طهارة الثوب ثم تبين النجاسة بطلت صلاته ، ووجبت عليه الإعادة ، ولم يكن جواز الصلاة في الثوب النجس بحال موجبا لجواز أدائها بالاجتهاد متى صار إلى يقين النجاسة . قيل له : أغفلت معنى اعتلالنا ؛ لأنا قلنا إن ترك القبلة جائز من غير ضرورة كجواز إعطاء هؤلاء من صدقة التطوع من غير ضرورة فكانا متساويين من هذا الوجه ، ألا ترى أنه لا ضرورة بالمصلي على الراحلة في فعل التطوع كما لا ضرورة بالمتصدق صدقة التطوع على ما ذكرنا ؟ فلما استويا من هذا الوجه اشتبها في الحكم ، وأما الصلاة في الثوب النجس فغير جائزة إلا في حال الضرورة ، ويستوي فيه حكم مصلي الفرض أو متنفل ، فلذلك اختلفا .
فِيمَا يُعْطَى مِسْكِينٌ وَاحِدٌ مِنَ الزَّكَاةِ كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ يَكْرَهُ أَنْ يُعْطَى إِنْسَانٌ مِنَ الزَّكَاةِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، وَإِنْ أَعْطَيْتُهُ أَجْزَاكَ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ تُعْطِيَهُ أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، قَالَ : { وَأَنْ يُغْنِيَ بِهَا إِنْسَانًا أَحَبُّ إِلَيَّ } .
وَرَوَى
هِشَامٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ لَهُ مِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِدِرْهَمَيْنِ : { أَنَّهُ يَقْبَلُ وَاحِدًا
[ ص: 343 ] وَيَرُدُّ وَاحِدًا } فَقَدْ أَجَازَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ تَمَامَ الْمِائَتَيْنِ ، وَكَرِهَ أَنْ يَقْبَلَ مَا فَوْقَهَا ، وَأَمَّا
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْأَمْرَ فِيهِ إِلَى الِاجْتِهَادِ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيفٍ ، وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16438ابْنِ شُبْرُمَةَ فِيهِ كَقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثَّوْرِيُّ : لَا يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ دِرْهَمًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ غَارِمًا وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14117الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15124اللَّيْثُ : يُعْطَى مِقْدَارُ مَا يَبْتَاعُ بِهِ خَادِمًا إِذَا كَانَ ذَا عِيَالٍ ، وَالزَّكَاةُ كَثِيرَةٌ . وَلَمْ يَحُدَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ شَيْئًا ، وَاعْتَبَرَ مَا يَرْفَعُ الْحَاجَةَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11943أَبُو بَكْرٍ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=60إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَيْسَ فِيهِ تَحْدِيدُ مِقْدَارِ مَا يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ تَفْرِيقَهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ لِامْتِنَاعِ ذَلِكَ وَتَعَذُّرِهِ ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ دَفْعُهَا إِلَى بَعْضٍ أَيِّ بَعْضٍ كَانَ ، وَأَقَلُّهُمْ وَاحِدٌ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ مُخَاطَبٌ بِذَلِكَ فَاقْتَضَى ذَلِكَ جَوَازَ دَفْعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَمِيعَ صَدَقَتِهِ إِلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ قَلَّ الْمَدْفُوعُ أَوْ كَثُرَ ، فَوَجَبَ بِظَاهِرِ الْآيَةِ جَوَازُ
nindex.php?page=treesubj&link=3134_26564دَفْعِ الْمَالِ الْكَثِيرِ مِنَ الزَّكَاةِ إِلَى وَاحِدٍ مِنَ الْفُقَرَاءِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ لِمِقْدَارِهِ . وَأَيْضًا فَإِنَّ الدَّفْعَ وَالتَّمْلِيكَ يُصَادِفَانِهِ ، وَهُوَ فَقِيرٌ ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ دَفْعِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لِحُصُولِ التَّمْلِيكِ فِي الْحَالَتَيْنِ لِلْفَقِيرِ ، وَإِنَّمَا كَرِهَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يُعْطَى إِنْسَانٌ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ الْمِائَتَيْنِ هِيَ النِّصَابُ الْكَامِلُ فَيَكُونُ غَنِيًّا مَعَ تَمَامِ مِلْكِ الصَّدَقَةِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَمَرَ بِدَفْعِ الزَّكَوَاتِ إِلَى الْفُقَرَاءِ لِيَنْتَفِعُوا بِهَا ، وَيَتَمَلَّكُوهَا ، فَلَا يَحْصُلُ لَهُ التَّمْكِينُ مِنَ الِانْتِفَاعِ إِلَّا ، وَهُوَ غَنِيٌّ ؛ فَكَرِهَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ دَفْعَ نِصَابٍ كَامِلٍ ، وَمَتَى دَفَعَ إِلَيْهِ أَقَلَّ مِنَ النِّصَابِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ ، وَيَحْصُلُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا ، وَهُوَ فَقِيرٌ فَلَمْ يَكْرَهْهُ ، إِذِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْوَجْهِ إِذَا لَمْ يَصِرْ غَنِيًّا ، فَالنِّصَابُ عِنْدَ وُقُوعِ التَّمْلِيكِ وَالتَّمْكِينِ مِنَ الِانْتِفَاعِ . وَأَمَّا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ : { وَأَنْ يُغْنِيَ بِهَا إِنْسَانًا أَحَبُّ إِلَيَّ } فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْغِنَى الَّذِي تَجِبُ عَلَيْهِ بِهِ الزَّكَاةُ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا يَسْتَغْنِي بِهِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ وَيَكُفُّ بِهِ وَجْهَهُ وَيَتَصَرَّفُ بِهِ فِي ضَرْبٍ مِنَ الْمَعَاشِ .
وَاخْتُلِفَ
nindex.php?page=treesubj&link=3256فِيمَنْ أَعْطَى زَكَاتَهُ رَجُلًا ظَاهِرُهُ الْفَقْرُ فَأَعْطَاهُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَنِيٌّ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16908وَمُحَمَّدٌ : { يَجْزِيهِ ، وَكَذَلِكَ إِنْ دَفَعَهَا إِلَى ابْنِهِ أَوْ إِلَى ذِمِّيٍّ ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ يَجْزِيهِ } . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبُو يُوسُفَ : { لَا يَجْزِيهِ } ذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ إِلَى مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ
مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ أَبَاهُ أَخْرَجَ صَدَقَةً فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ لَيْلًا ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ فَلَمَّا أَصْبَحَ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ : مَا إِيَّاكَ أَرَدْتُ ، وَاخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=65193لَكَ مَا نَوَيْتُ يَا يَزِيدُ ، وَقَالَ
لِمَعْنٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=651333لَكَ مَا أَخَذْتَ ، وَلَمْ يَسْأَلْهُ أَنَوَيْتَهَا مِنَ الزَّكَاةِ أَوْ غَيْرِهَا بَلْ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=65193لَكَ مَا نَوَيْتَ ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهَا إِنْ نَوَاهَا زَكَاةً ،
[ ص: 344 ] وَأَيْضًا فَإِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى هَؤُلَاءِ قَدْ تَكُونُ صَدَقَةً صَحِيحَةً مِنْ وَجْهٍ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ ، وَهُوَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ ، فَأَشْبَهَتْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الصَّلَاةَ إِلَى
الْكَعْبَةِ إِذَا أَدَّاهَا بِاجْتِهَادٍ صَحِيحٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَهَا كَانَتْ صَلَاتُهُ مَاضِيَةً ، إِذْ كَانَتِ الصَّلَاةُ إِلَى غَيْرِ جِهَةِ
الْكَعْبَةِ قَدْ تَكُونُ صَلَاةً صَحِيحَةً مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ ، وَهُوَ الْمُصَلِّي تَطَوُّعًا عَلَى الرَّاحِلَةِ ، فَكَانَ إِعْطَاءُ الزَّكَاةِ بِاجْتِهَادٍ مُشْبِهًا لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ بِاجْتِهَادٍ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي ذَكَرْنَا .
فَإِنْ قِيلَ : إِنَّمَا يُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الزَّكَاةِ
nindex.php?page=treesubj&link=24087مَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ يَظُنُّهُ طَاهِرًا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ نَجِسًا فَلَا تَجْزِيهِ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنَ اجْتِهَادٍ إِلَى يَقِينِ ، كَذَلِكَ مُؤَدِّي الزَّكَاةِ إِلَى غَنِيٍّ أَوِ ابْنِهِ أَوْ ذِمِّيٍّ إِذَا عَلِمَ فَقَدْ صَارَ مِنَ اجْتِهَادٍ إِلَى يَقِينٍ ، فَبَطَلَ حُكْمُ اجْتِهَادِهِ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ . قِيلَ لَهُ : لَيْسَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ النَّجِسِ لَا يَكُونُ طَهَارَةً بِحَالٍ فَلَمْ يَكُنْ لِلِاجْتِهَادِ تَأْثِيرٌ فِي جَوَازِهِ ، وَتَرْكُ الْقِبْلَةِ جَائِزٌ فِي أَحْوَالٍ ، فَمَسْأَلَتُنَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَشْبَهُ .
فَإِنْ قِيلَ : الصَّلَاةُ قَدْ تَجُوزُ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ فِي حَالٍ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَوْ أَدَّاهَا بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ فِي طَهَارَةِ الثَّوْبِ ثُمَّ تَبَيَّنَ النَّجَاسَةَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ ، وَلَمْ يَكُنْ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ بِحَالٍ مُوجِبًا لِجَوَازِ أَدَائِهَا بِالِاجْتِهَادِ مَتَى صَارَ إِلَى يَقِينِ النَّجَاسَةِ . قِيلَ لَهُ : أَغْفَلْتَ مَعْنَى اعْتِلَالِنَا ؛ لِأَنَّا قُلْنَا إِنَّ تَرْكَ الْقِبْلَةِ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كَجَوَازِ إِعْطَاءِ هَؤُلَاءِ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَكَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ بِالْمُصَلِّي عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي فِعْلِ التَّطَوُّعِ كَمَا لَا ضَرُورَةَ بِالْمُتَصَدِّقِ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ؟ فَلَمَّا اسْتَوَيَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ اشْتَبَهَا فِي الْحُكْمِ ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ فَغَيْرُ جَائِزَةٍ إِلَّا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ ، وَيَسْتَوِي فِيهِ حُكْمُ مُصَلِّي الْفَرْضِ أَوْ مُتَنَفِّلٍ ، فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَا .