الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الورد الخامس : ما بعد ذلك إلى العصر ، ويستحب فيه العكوف في المسجد مشتغلا بالذكر والصلاة أو فنون الخير ويكون في انتظار الصلاة معتكفا فمن فضائل الأعمال انتظار الصلاة بعد الصلاة وكان ذلك سنة السلف كان الداخل يدخل المسجد بين الظهر والعصر فيسمع للمصلين دويا كدوي النحل من التلاوة فإن كان بيته أسلم لدينه وأجمع لهمه فالبيت أفضل في حقه فإحياء هذا الورد وهو أيضا وقت غفلة الناس كإحياء الورد الثالث في الفضل وفي هذا الوقت يكره النوم لمن نام قبل الزوال ؛ إذ يكره نومتان بالنهار .

قال بعض العلماء ثلاث يمقت الله عليها : الضحك بغير عجب ، والأكل من غير جوع والنوم بالنهار من غير ، سهر بالليل

التالي السابق


( الورد الخامس: ما بعد ذلك إلى العصر، ويستحب فيه العكوف) أي: الإقامة ( في المسجد مشتغلا بالذكر والصلاة وفنون الخير) أي: أنواعه ( فيكون في انتظار الصلاة معتكفا) أي: يكون جامعا بين الاعتكاف والانتظار للصلاة ( فمن فضائل الأعمال انتظار الصلاة) .

[ ص: 147 ] وقد ورد ذلك في خبر صحيح رواه الترمذي ( وكان ذلك سنة السلف) رحمهم الله تعالى ( كان الداخل يدخل المسجد) ولفظ القوت: المساجد ( بين الظهر والعصر فيسمع للمصلين دويا كدوي النحل من التلاوة) كذا نقله صاحب القوت ( فإن كان بيته أسلم لدينه وأجمع لهمه) وقلبه ( فالبيت أفضل في حقه) ولفظ القوت: فالسلامة هي الأفضل ( وإحياء هذا الورد وهو أيضا وقت غفلة الناس كإحياء الورد الثالث في الفضل) قال صاحب العوارف: وإن أراد أن يقرأ بين الصلاتين في صلاته في عشرين ركعة في كل ركعة آية أو بعض آية يقرأ في الركعة الأولى: ربنا آتنا في الدنيا حسنة الآية، وفي الثانية: ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا الآية، ثم: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا إلى آخر السورة، ثم: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد الآية، ثم: ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي الآية، ثم: ربنا آمنا بما أنزلت الآية، ثم: أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا الآية، ثم: فاطر السماوات والأرض أنت وليي الآية، ثم: ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن الآية، ثم: وقل رب زدني علما ثم: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ثم: رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ثم: وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين ثم: ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين الآية، ثم: رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي الآية، ثم: يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ثم: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان الآية، ثم: ربنا عليك توكلنا الآية، ثم: رب اغفر لي ولوالدي الآية .

وبالمحافظة على هذه الآيات في الصلاة موطنا للقلب واللسان يوشك أن يرقى إلى مقام الإحسان، ولو ردد آية واحدة من هذه في ركعتين بين صلاة الظهر والعصر كان في جميع الوقت مناجيا لمولاه، وداعيا، وتاليا، ومصليا، والدأب في العمل واستيعاب الأجزاء النهارية بلذاذة وحلاوة من غير سآمة لا يصح إلا لعبد تزكت نفسه بكمال التقوى، واستقصاء في الزهد في الدنيا، وانتزعت منه متابعة الهوى، ومتى بقي على الشخص من التقوى والزهد بقية لا يدوم روحه في العمل بل تنشط وقتا وتسأم وقتا، ويتناول النشاط والكسل فيه؛ لبقاء متابعة شيء من الهوى بنقصان تقوى أو محبة دنيا، فإذا صح في الزهد والتقوى إن ترك العمل بالجوارح لا يفتر عن العمل بالقلب، فمن رام دوام الروح واستحلاء الدأب في العمل؛ لئلا يفتر عن العمل فعليه بحسم مادة الهوى، والهوى روح النفس لا يزول، ولكن تزول متابعته، ودقائق متابعة الهوى تتبين على قدر صفاء القلب، وعلو الحال، فقد يكون متبعا للهوى باستحلاء مجالسة الخلق ومكالمتهم والنظر إليهم، وقد يتبع الهوى بتجاوز الاعتدال في النوم والأكل، إلى غير ذلك من أقسام الهوى المتبع، وهذا شغل من ليس له شغل في الدنيا، والله أعلم .

( وفي هذا الوقت يكره النوم لمن نام قبل الزوال؛ إذ تكره نومتان بالنهار) ولفظ القوت: فإن كان قد رقد قبل الزوال فلا يرقد في هذا الورد، فإنه تكره له نومتان في يوم، كما يكره له نوم النهار من غير سهر الليل .

( قال بعض العلماء) ولفظ القوت: وروينا عن بعض العلماء ( ثلاث يمقت الله -عز وجل- عليها: الضحك من غير عجب، والأكل من غير جوع، ونوم النهار من غير سهر الليل) .

قلت: وقد روي معنى ذلك في المرفوع من حديث عبد الله بن عمرو عند الديلمي، وقال في أثناء حديث: "وإن أبغض الخلق إلى الله ثلاثة: الرجل يكثر النوم بالنهار ولم يصل من الليل شيئا، والرجل يكثر الأكل ولا يسمي الله على طعام ولا يحمد، والرجل يكثر الضحك من غير عجب؛ فإن كثرة الضحك تميت القلب، وتورث الفقر".

وقال أبو نعيم في الحلية: حدثنا أبو بكر بن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا عبد القدوس بن بكر، عن محمد بن نصر الحارثي، رفعه إلى معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: "ثلاث من فعلهن فقد تعرض للمقت: الضحك من غير عجب، والنوم من غير سهر، والأكل من غير جوع".

ثم قال صاحب القوت: وإن لم يكن رقد وأحب أن ينام بين الظهر والعصر يتقوى بذلك على قيام الليل فلينم؛ فإن نوما بعد الظهر لليلة المستقبلة ونوما قبل الظهر لليلة الماضية، فإن دام سهره بالليل واتصلت أوراده بالنهار حسن أن ينام قبل الظهر لما سلف من ليلته .




الخدمات العلمية