الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإذا رأيت الهلال فقل : اللهم أهله علينا " بالأمن والإيمان والبر والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى والحفظ عمن تسخط ربي وربك الله ويقول : هلال رشد وخير ، آمنت بخالقك اللهم إني أسألك خير هذا الشهر وخير القدر " وأعوذ بك من شر يوم الحشر

التالي السابق


( وإذا رأيت الهلال) وهو القمر في حالة مخصوصة، قال الأزهري: ويسمى القمر للثلاثة من أول الشهر هلالا، وفي ليلة ست وعشرين وسبع وعشرين أيضا هلالا، وما بين ذلك يسمى قمرا، وقال الفارابي وتبعه الجوهري: الهلال لثلاث ليال من أول الشهر، ثم هو قمر بعد ذلك، وقيل: الهلال هو الشهر بعينه، والجمع أهلة ( فقل: اللهم أهله علينا") يروى بالادغام وبالفك، وأصل الإهلال: رفع الصوت، ثم نقل إلى رؤية الهلال، ثم نقل إلى طلوعه، وهو المراد هنا، والمعنى أطلعه علينا، وأرنا إياه مقترنا ( بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام) بين كل من القرينتين حسن الاشتقاق، والمراد الأمن من سائر المخاوف، والإيمان الطمأنينة بالله، كأنه سأله دوامها، والسلامة والإسلام أن يدوم له الإسلام، ويسلم له شهره؛ فإن لله في كل شهر حكما وقضاء .

( ربي وربك الله) هذا تنزيه للخالق أن يشاركه في تدبير ما خلق شيء، وفيه رد للأقاويل الداحضة في الآثار العلوية بألطف إشارة، وفي قوله: "ربي وربك الله" التفات؛ اقتداء بسيدنا [ ص: 102 ] الخليل -عليه السلام- حيث قال: لا أحب الآفلين بعد قوله: هذا ربي .

قال العراقي: رواه الترمذي وحسنه من حديث طلحة بن عبيد الله. اهـ .

قلت: لفظه "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى الهلال قال: اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله" وقال: حسن غريب، رواه من طريق سليمان بن سفيان، عن بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله، عن أبيه، عن جده .

ورواه ابن حبان في صحيحه، وزاد بعد قوله: "والإسلام": "والتوفيق لما تحب وترضى" وبمثل رواية ابن حبان رواه الطبراني في الكبير من حديث ابن عمر، إلا أن في سنده عثمان بن إبراهيم الحاطبي، وهو ضعيف، ورواه الدارمي في مسنده عن ابن عمر، إلا أنه زاد في أوله: "الله أكبر" .

وروى ابن السني في اليوم والليلة عن جزء بن أنس السلمي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "كان إذا رأى الهلال قال: اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والسكينة والعافية، والرزق الحسن" إلا أن الذهبي قال: إن جزءا لا صحبة له .

( وتقول: هلال رشد وهلال خير، آمنت بخالقك) قال العراقي: رواه أبو داود مرسلا من حديث قتادة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "كان إذا رأى الهلال قال: هلال خير ورشد، ثلاثا، آمنت بالذي خلقك ثلاثا" وأسنده الدارقطني في الأفراد، والطبراني في الأوسط، من حديث أنس.

وقال أبو داود: وليس في هذا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديث مسند صحيح. اهـ .

قلت: ولفظ أبي داود، عن قتادة قال: بلغنا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أنه كان يقول إذا رأى الهلال: هذا هلال خير ورشد، آمنت بالذي خلقك، ثلاثا، ثم يقول: الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا" ورواه أيضا ابن السني، عن أبي سعيد الخدري. قال ابن القيم: إسناده لين .

وروى الطبراني في الكبير، عن رافع بن خديج بإسناد حسن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "كان إذا رأى الهلال قال: هلال خير ورشد، اللهم إني أسألك من خير هذا، ثلاثا".

( اللهم إني أسألك خير هذا الشهر وخير القدر") محركة ( وأعوذ بك من يوم الحشر) بفتح فسكون، بمعنى المحشور، أي: المجموع فيه الناس، وفي بعض النسخ: "يوم المحشر" أي: موضع الحشر .

قال العراقي: رواه ابن أبي شيبة وأحمد في مسنديهما من حديث عبادة بن الصامت، وفيه من لم يسم، قال الراوي عنه: حدثني من لا أتهم. اهـ .

قلت: وقال الحافظ ابن حجر: غريب، ورجاله موثقون، إلا من لم يسم .

ورواه أيضا عبد الله بن أحمد في زيادات المسند، والطبراني في الكبير بلفظ: "كان -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى الهلال قال: الله أكبر الله أكبر، الحمد لله، لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أسألك" فساقاه .

وروى الطبراني أيضا في الكبير، عن رافع بن خديج بلفظ: "اللهم إني أسألك من خير هذا الشهر، وخير القدر، وأعوذ بك من شره، ثلاث مرات".

ومن أحاديث الباب ما رواه ابن السني، عن عبد الله بن مطرف -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى الهلال قال: هلال خير، الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا، وجاء بشهر كذا، أسألك من خير هذا الشهر ونوره وبركته وهداه وظهوره ومعافاته" .

وعن علي -رضي الله عنه- أنه كان يقول إذا رأى الهلال: "اللهم ارزقنا نظره وخيره وبركته وفتحه ونوره، ونعوذ بك من شره وشر ما بعده" رواه ابن أبي شيبة في المصنف .

وعن الحسين بن علي قال: سألت هشام بن حسان: "أي شيء كان الحسن يقول إذا رأى الهلال؟ قال: كان يقول: اللهم اجعله شهر بركة ونور وأجر ومعافاة، اللهم إنك قاسم فيه بين عبادك خيرا، فاقسم لي فيه من خير ما تقسم بين عبادك الصالحين". رواه أيضا ابن أبي شيبة في المصنف .




الخدمات العلمية