الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والمعجوز عن تسليمه شرعا ، كالمرهون والموقوف والمستولدة فلا يصح بيعها أيضا وكذا بيع الأم دون الولد ، إذا كان الولد صغيرا ، وكذا بيع الولد دون الأم ; لأن تسليمه تفريق بينهما وحرام ، فلا يصح التفريق بينهما بالبيع .

التالي السابق


*ولما فرغ المصنف من بيان ما لا يقدر على تسليمه، من حيث الحس، أشار إلى ما لا يقدر عليه من حيث الشرع، فقال: (والمعجوز عن تسليمه شرعا، كالمرهون) بعد القبض، بلا إذن (والموقوف) وإن أشرف على الخراب (والمتولدة فلا يصح بيعه أيضا) وعبارته في الوجيز: ولا يصح بيع ما عجز عن تسليمه شرعا، وهو المرهون. هذا لفظه، وأنت تراه قد حصر العجز الشرعي في المرهون فقط، وهنا: زاد عليه الموقوف، والمتولدة، أما المرهون فلا يصح بيعه بعد الإقباض، وقبل الانفكاك; لأنه عاجز عن تسليمه شرعا; لما فيه من توفية حق المرتهن، وأما المتولدة، فقد ذكرت في مسألة العبد الجاني، هل يباع أم لا؟ فالجواب فيه ثلاثة طرق: أحدها: إن كانت الجناية موجبة للقصاص، فهو صحيح، وإن كانت موجبة للمال، فقولان. والثاني: إن كانت موجبة للمال فهو غير صحيح، وإن كانت موجبة [ ص: 434 ] للقصاص فقولان. والثالث: طرد القولين في الحالتين، نقله الرافعي.

ثم ذكر بعد ذلك مسألة إعتاق السيد الجاني، وأنه ينظر، إن كان معسرا، فأصح القولين: أنه لا ينفذ، وإن كان موسرا، ففي نفوذه ثلاثة أقوال: أصحها: النفوذ. وثانيها: أنه موقوف إن فداه نفذ، وإلا فلا .

ثم قال: واستيلاء الجارية كإعتاقها، ومتى فدا السيد الجاني، يفديه بأقل الأمرين من الأرش، وقيمة العبد، أو بالأرض، بالغا ما بلغ. وقال النووي في الزيادات: ولو ولدت الجارية، لم يتعلق الأرش بالولد قطعا، ذكره القاضي أبو الطيب، والله أعلم .

ثم أشار المصنف إلى القسم الثاني من المناهي، ما لا يدل على الفساد، إلا أنه من المعجوز عنه شرعا، فقال: (وكذا بيع الأم دون الولد، إذا كان الولد صغيرا، وكذا بيع الولد دون الأم; لأن تسليمه تفريق بينهما، وهو حرام، فلا يصح التفريق بينهما بالبيع) ; لما روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: لا توله والدة بولدها. أخرجه البيهقي في السير، من حديث أبي بكر، رضي الله عنه .

وعن أبي أيوب رضي الله عنه، رفعه: من فرق بين والدة وولدها، فرق الله عز وجل بينه وبين أحبته يوم القيامة. رواه أحمد، والترمذي، والحاكم.

وعن عبادة بن الصامت، رضي الله عنه، رفعه: لا يفرق بين الأم وولدها، قيل: إلى متى؟ قال: حتى يبلغ الغلام، وتحيض الجارية.

فهذه الأخبار، ونحوها، أخبرتنا تحريم التفريق بين الجارية وولدها الصغير بالبيع، والقسمة، والهبة، وغيرها .

ولا يحرم التفريق في العتق، ولا في الوصية، فلعل الموت يكون بعد انقضاء زمان التحريم .

وفي الرد بالعيب اختلاف الأصحاب، وعن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي: أنه لو اشترى جارية، وولدها الصغير، ثم تفاسخا البيع في أحدهما، جاز .

وحكم التفريق في الرهن مذكور في موضعه، وإذا فرق بينهما بالبيع، والهبة، ففي الصحة قولان: أحدهما: نعم، وبه قال أبو حنيفة; لأن النهي لما فيه من الإضرار، لا لخلل في نفس المبيع، وأصحهما: المنع; لما روي عن علي، رضي الله عنه، أنه فرق بين جارية وولدها، فنهاه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، ورد البيع; لأن التسليم تفريق محرم، فيكون كالمتعذر; لأن العجز قد يكون حسا، وقد يكون شرعا، وحكى أبو الفرج الزازاني القولين، فيما إذا كان التفريق بعد سقي الأم ولدها اللبن، فأما قبله فلا صحة جزما; لأنه تسبب إلى هلاك، وإلى متى يمتد تحريم التفريق؟ فيه قولان: أحدهما: إلى البلوغ، وبه قال أبو حنيفة; لخبر عبادة. وأظهرهما، وهو الذي نقله المزني: إلى سن التمييز، وهو سبع، أو ثمان، على التقريب; لأنه حينئذ يستغني عن التعهد، والحضانة. ويقرب من هذا مذهب مالك، فإنه قال: يمتد التحريم إلى وقت سقوط الأسنان. وقوله في الكتاب: صغيرا، يوافق القول الأول لفظا .

ويكره التفريق بعد البلوغ، ولكن لو فرق بالبيع، والهبة، صح، خلافا لأحمد.

ولو كانت الأم رقيقة، والولد حرا، أو بالعكس، فلا منع من بيع الرقيق، ذكره في التتمة .

والتفريق بين البهيمة وولدها، بعد استغنائها عن اللبن، جائز، وعن الصيمري حكاية وجه آخر، قال النووي: هذا الوجه الشاذ في منع التفريق بين البهيمة وولدها، هو في التفريق بغير الذبح، وأما ذبح أحدهما فجائز بلا خلاف، والله أعلم، اهـ .

وهل الجدة والأب وسائر المحارم كالأم، في تحريم التفريق؟ فيه كلام مذكور في السير .




الخدمات العلمية