الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثالث : أن لا يخرج إلا برضا صاحب المنزل وإذنه ويراعي قلبه في قدر الإقامة وإذا نزل ضيفا فلا يزيد على ثلاثة أيام فربما يتبرم به ويحتاج إلى إخراجه قال صلى الله عليه وسلم : الضيافة ثلاثة أيام ، فما زاد فصدقة .

نعم لو ألح رب البيت عليه عن خلوص قلب فله المقام إذ ذاك

التالي السابق


(الثالث: أن لا يخرج) الضيف ( إلا برضا صاحب المنزل وإذنه ) قالوا: إن الضيف في حكم المضيف (ويراعى قلبه في قدر الإقامة) فإن وجده طيب النفس سمحا بالزاد واسع المكان قليل الملل أطال في الإقامة ولا بأس، (وإذا نزل ضيفا فلا يزيد على ثلاثة أيام) بلياليها، (فربما يتبرم به) أي: يتضجر (ويحتاج إلى إحراجه) أي: إيقاعه في الحرج، وفي بعض النسخ: إلى إخراجه بالخاء المعجمة، ولفظ " القوت ": وليس من السنة يقيم للضيافة فوق ثلاثة أيام حتى يحرجه ويتبرم به بأثر في ذلك. اهـ .

(قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الضيافة ثلاثة أيام، فما زاد فصدقة) يعني: إذا نزل به ضيف فحقه أن يضيفه ثلاثة أيام بلياليها يتحفه في الأول ويقدم له في الآخرين ما حضر وجرت به عادته من غير كلفة ولا إضرار بمؤنة، بشرط أن يفضل عنهم، وفيه عموم يشمل الغني والفقير والمسلم والكافر والبر والفاجر، والجمع بينه وبين الخبر الذي تقدم: " لا يأكل طعامك إلا تقي "، فالمراد غير الضيافة مما هو أعلى في الإكرام من مؤاكلتك معه وإتحافك إياه بالظرف واللطف، وإذا كان الكافر يرعى حق جواره، فالمسلم الفاسق أولى، وإذا لم يجد فاضلا عن مؤنة من يمونه فلا ضيافة عليه، بل ليس له ذلك، وأما خبر الأنصاري المشهور الذي أثنى الله ورسوله عليه وعلى امرأته بإيثارهما الضيف على أنفسهما وصبيانهما حيث نومتهم أمهم بأمره حتى أكل الضيف، فأجيب عما اقتضاه ظاهره من تقديمها على ما يحتاجه الصبيان بأن الضيافة مقدمة لتأكدها والاختلاف في وجوبها، وبأن الصبية لم تشتد حاجتهم للأكل، وإنما خافا أن الطعام لو قدم للضيف وهم مستيقظون لم يصبروا على عدم الأكل منه، وإن لم يكونوا جياعا، والحديث رواه البخاري عن أبي شريح الكعبي، وأحمد، وأبو داود عن أبي هريرة بلفظ: " فما كان وراء ذلك فهو صدقة "، ولا يقال: قضية جعله ما زاد على الثلاث صدقة أن ما قبلها واجب، لأنا نقول إنما سماه صدقة للتنفير عنه، إذ كثير من الناس سيما الأغنياء يأنفون من أكل الصدقة، ورواه بلفظ المصنف أحمد وأبو يعلى عن أبي سعيد، والبزار عن ابن عمر ، والطبراني في الأوسط عن ابن عباس، وفيه رشدين بن كريب وهو ضعيف، وقول العراقي: إنه متفق عليه من حديث أبي شريح كأنه يريد معناه لا لفظه، ورواه البزار أيضا [ ص: 262 ] من حديث ابن مسعود بزيادة: " وكل معروف صدقة " ورجال إسناده ثقات .

وروى الباوردي وابن قانع والطبراني في الكبير، والضياء في المختار من حديث الثلب بن ربيعة -رضي الله عنه- بلفظ: " الضيافة ثلاث ليال حق لازم فما في سوى ذلك فهو صدقة ". قال المنذري: إسناده فيه نظر، وقال الهيثمي: فيه من لم أعرفه، وقد أخذ بظاهره أحمد فأوجبها، وحمله الجمهور على أنه كان ذلك في صدر الإسلام ثم نسخ أو أن الكلام في أهل الذمة المشروط عليهم ضيافة المار أو في المضطرين أو مخصوص بالعمال المبعوثين لقبض الزكاة من جهة الإمام، ورواه أبو بكر بن أبي الدنيا في قرى الضيف عن أبي هريرة بلفظ المصنف بزيادة: " وعلى الضيف أن يتحول بعد ثلاثة أيام " وعند الطبراني في الكبير من حديث طارق بن أشيم بلفظ: " فما كان فوق ذلك فهو معروف " (نعم لو ألح رب البيت عليه عن خلوص قلب) وانشراح صدر وطيب نفس بقرائن دلت على ذلك (فله المقام) أي: الإقامة (إذ ذاك) بلا خطر فيه .




الخدمات العلمية