الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وينبغي أن لا يدعو إلا من يحب إجابته قال سفيان من دعا أحدا إلى طعام وهو يكره الإجابة فعليه خطيئة فإن أجاب المدعو فعليه خطيئتان .

لأنه حمله على الأكل مع كراهة ولو علم ذلك لما كان يأكله .

وإطعام التقي إعانة على الطاعة وإطعام الفاسق تقوية على الفسق .

قال رجل خياط لابن المبارك أنا أخيط ثياب السلاطين فهل تخاف أن أكون من أعوان الظلمة قال : لا ، إنما أعوان الظلمة من يبيع منك الخيط والإبرة ، أما أنت فمن الظلمة نفسهم .

التالي السابق


(وينبغي أن لا يدعو إلا من يحب إجابته) ولا يكرهها (قال سفيان) الثوري -رحمه الله تعالى -: (من دعا أحدا إلى طعام وهو يكره الإجابة فله خطيئة) أي: كتبت عليه خطيئة، (فإن أجاب المدعو) فأكل (فله خطيئتان) أي: كتبت عليه خطيئتان، فالمعنى في الخطيئة الأولى لأنه أظهر بلسانه خلاف ما في قلبه فتصنع بالكلام، وهذا من السمعة وداخل في محبة أن يحمد بما لم يفعل، والمعنى في الخطيئتين إن أجابه أخوه فالخطيئة الثانية لأنه (حمله على الأكل مع كراهته) ولم يعلم حقيقته منه فلم ينصحه فيما أظهر له من نفسه فعرضه لما يكره (ولو علم) أخوه (ذلك) أي: أنه غير محب لإجابته (لما كان يأكله) أي: الطعام، ولأنه قد أدخله في السمعة، ولذلك كانت عليه خطيئة ثانية، (و) إنما قلنا يخص بالدعوة الصالحين والفقراء دون الفسقة؛ لأن (إطعام الفقراء) والصالحين (إعانة) لهم (على الطاعة) وعلى البر والتقوى فيشاركهم في الثلاثة (وإطعام الفاسق [ ص: 241 ] يقويه على الفسق) الذي هو مركوز في جبلته كما (قال رجل خياط لابن المبارك) عبد الله -رحمه الله تعالى -: (أنا أخيط ثياب السلاطين) ولفظ " القوت ": إني أخيط لبس وكلاء هؤلاء، يعني الأمراء، (فهل تخاف أن أكون من أعوان الظلمة) أي: داخلا في وعيدهم (قال: لا، إنما أعوان الظلمة من يبيع منك) أي: لك (الخيط والإبرة، أما أنت فمن الظلمة أنفسهم) ولفظ " القوت ": فقال: لست من أعوان الظلمة بل أنت من الظلمة، إنما أعوان الظلمة من يبيع منك الإبر والخيوط. اهـ .

وهذا من باب المبالغة تنزيلا للمعين لهم منزلة أنفسهم، وبالغ آخرون فقالوا: إنما أعوان الظلمة الحداد الذي صنع تلك الإبرة والغزال الذي غزل ذلك الخيط، وكل هذا تحذير من التقرب لهم ومجاورتهم ودعوتهم، فتستلزم إكرامهم ومداراتهم والسكوت عما هم عليه من المظالم وغير ذلك من المخازي، وكل ذلك من أسباب المقت، نعوذ بالله من ذلك .

وقد عمل ذو النون المصري أغمض من ذلك كما سيأتي في الفصل الذي في آخر الأبواب .




الخدمات العلمية