الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
طيب النفس وإن جرى في حقه تقصير فذلك من حسن الخلق والتواضع قال صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ودعي بعض السلف برسول فلم يصادفه الرسول ، فلما سمع حضر وكانوا قد تفرقوا وفرغوا وخرجوا فخرج إليه صاحب المنزل وقال قد خرج القوم فقال : هل بقي بقية ؟ قال : لا . قال : فكسرة إن بقيت ؟ قال : لم تبق قال فالقدر : أمسحها ؟ قال : قد غسلتها . فانصرف يحمد الله تعالى ، فقيل له في ذلك فقال : قد أحسن الرجل دعانا بنية وردنا بنية ، فهذا هو معنى التواضع وحسن الخلق .

وحكي أن أستاذ أبي القاسم الجنيد دعاه صبي إلى دعوة أبيه أربع مرات فرده الأب في المرات الأربع وهو يرجع في كل مرة تطييبا لقلب الصبي بالحضور ، ولقلب الأب بالانصراف فهذه نفوس قد ذللت بالتواضع لله تعالى واطمأنت بالتوحيد وصارت تشاهد في كل رد وقبول عبرة ، فيما بينها وبين ربها ، فلا تنكسر بما يجري من العباد من الإذلال كما لا تستبشر بما يجري منهم من الإكرام بل يرون الكل من الواحد القهار .

ولذلك قال بعضهم أنا لا أجيب الدعوة إلا لأني أتذكر بها طعام الجنة أي : هو طعام طيب يحمل عنا كده ومؤنته وحسابه .

التالي السابق


الثاني: أن ينصرف الضيف وهو (طيب النفس) منشرح الصدر (وإن جرى في حقه تقصير) عن واجب إكرامه (فذلك من حسن الخلق والتواضع) وهو معنى ما قال -صلى الله عليه وسلم-: " إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ". نقله صاحب "القوت " وقال عن بعضهم: هو الرجل يسأل إخوانه أن يفطر معهم نهارا ويسهر معهم ليلا، ويكون من عادته الصيام والقيام فيساعدهم تخلقا معهم فيدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم". والحديث رواه الطبراني في الكبير عن أبي أمامة وفيه عفير بن معدان وهو ضعيف بلفظ: درجة القائم بالليل الظائي بالهواجر. ورواه أيضا الحاكم من حديث أبي هريرة وقال: صحيح [ ص: 261 ] على شرطهما وأقره الذهبي في التلخيص (ودعي بعض السلف برسول) ولفظ " القوت ": وعمل بعض السلف صنيعا فدعا رجلا (فلم يصادفه الرسول، فلما سمع حضر وكان قد تفرقوا وخرجوا) ، ولفظ " القوت ": بعد الرسول ثم أعلم وقد انصرف الناس عنده فقصد منزله فدق عليه الباب (فخرج إليه صاحب المنزل وقال) هل من حاجة ؟ قال: إنك دعوتني فلم يتفق ذلك، فقد جئت الآن لما أعلمت فقال: (خرج القوم) أي: انصرف الناس، (فقال: هل بقي بقية ؟) ولفظ " القوت ": فهل بقيت منهم بقية ؟ (قال: لا. قال: فكسرة إن بقيت ؟ قال: لم يبق) شيء، (قال: القدور أمسحها ؟ قال: قد غسلناها. فانصرف بحمد الله تعالى، فقيل له في) مسألته عن (ذلك فقال: قد أحسن الرجل دعانا بنية وردنا بنية، فهذا هو معنى التواضع وحسن الخلق و) نفس هذا في الضعة والذلة وسقوطها من مراتب الأنفة تشبه بما (حكي أن) ابن الكرنبي (أستاذ أبي القاسم الجنيد) بن محمد البغدادي -رحمه الله تعالى - (دعاه صبي) صغير السن (إلى دعوة) أبيه (أربع مرات فرده الأب في المرات الأربع) في دعوة واحدة (وهو يرجع في كل مرة تطييبا لقلب الصبي في الحضور، ولقلب الأب في الانصراف فهذه نفوس) مشاهدة للبلوى من المولى (قد ذللت بالتواضع لله عز وجل فاطمأنت بالتوحيد) موضوعة على الصفة (وصارت تشاهد في كل رد وقبول عبرة، فيما بينها وبين ربها، فلا تنكسر بما يجري من العباد من إذلال) ورد (كما لا تستبشر بما يجري منهم من إكرام) وقبول (بل يرون الكل من الواحد القهار) وصاحب هذه النفس مقامه المشاهدة في التوحيد وهي طريق مفرد لإفراد وحال مجدد لآحاد، (ولذلك قال بعضهم) أي: من أهل البصيرة: (إنا لا نجيب الدعوة إلا لأني أتذكر بها طعام الجنة) . وفي القوت: نعيم الجنة ينقل بلا كلفة ولا مؤنة، (أي: هو طعام يحمل عنا كده ومؤنته وحسابه) أما الكد فلأنه ينقل بلا مشقة، وأما المؤنة فهي على الداعي، وأما الحساب فقد تقدم أن ما أكل مع الإخوان على المائدة يحاسب عليه، ونظر هذا القائل نظر الاعتبار وطريق أولي الأبصار .




الخدمات العلمية