المرتبة الخامسة : أن لا يراعي التقدير فإن ذلك إنما يتيسر لنبي يوحى إليه أو لمن يعرف منازل القمر ويوكل به من يراقبه ويواظبه ويوقظه ثم ربما يضطرب في ليالي الغيم ولكنه يقوم من أول الليل إلى أن يغلبه النوم ، فإذا انتبه قام ، فإذا غلبه النوم عاد إلى النوم فيكون له في الليل نومتان وقومتان ، وهو من مكابدة الليل وأشد ، الأعمال وأفضلها وقد كان هذا من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو طريقة ابن عمر وأولي العزم من الصحابة وجماعة من التابعين رضي الله عنهم وكان بعض السلف يقول : هي أول نومة فإذا ، انتبهت ثم عدت إلى النوم فلا أنام الله لي عينا فأما قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث المقدار فلم يكن على ترتيب واحد ، بل ربما كان يقوم نصف الليل أو ثلثه أو سدسه يختلف ذلك في الليالي ودل عليه قوله تعالى في الموضعين من سورة المزمل : إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه فأدنى من ثلثي الليل كأنه بصفه ونصف سدسه ، فإن كسر قوله : ونصفه وثلثه كان نصف الثلثين فيقرب من الثلث والربع وإن ، نصب كان نصف الليل وقالت عائشة رضي الله عنها : " كان صلى الله عليه وسلم يقوم إذا سمع الصارخ يعني " الديك وهذا يكون السدس فما دونه وروى غير واحد أنه قال : " راعيت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر ليلا فنام بعد العشاء زمانا ، ثم استيقظ فنظر في الأفق فقال : ربنا ما خلقت هذا باطلا حتى بلغ : إنك لا تخلف الميعاد ثم استل من فراشه سواكا فاستاك به وتوضأ ، وصلى حتى قلت : صلى مثل الذي نام ، ثم اضطجع حتى قلت : نام مثل ما صلى ، ثم استيقظ فقال ما قال أول مرة وفعل ما فعل أول مرة .


