الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الخامس عشر : أن يكون الناكح قد لاعنها ، فإنها تحرم عليه أبدا بعد اللعان .

السادس عشر : أن تكون محرمة بحج أو عمرة أو كان الزوج كذلك فلا ينعقد النكاح إلا بعد تمام التحلل .

التالي السابق


( الخامس عشر: أن يكون الناكح قد لاعنها، فإنها تحرم عليه أبدا بعد اللعان) وذكره المصنف في الوجيز مختصرا فقال: أو ملاعنة ، وقول المصنف: فإنها تحرم عليه أبدا بعد اللعان هو الذي عليه جمهور العلماء من حصول الفرقة بمجرد اللعان من غير توقف على تفريق الإمام ، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وزفر ، ثم قال الشافعي ، وبعض المالكية: تحصل الفرقة بتمام لعانه وإن لم تلتعن هي. وقال أحمد: لا يحصل ذلك إلا بتمام لعانهما معا، وهو المشهور من مذهب مالك ، وبه قال أهل الظاهر قالوا: وهي فرقة فسخ وحرمة مؤبدة ، وقال أصحابنا الحنفية: لا تقع الفرقة بمجرد اللعان ، بل يتوقف ذلك على تفريق الحاكم بينهما وهو رواية عن أحمد ، وقال به محمد بن محمد بن أبي صفرة من المالكية ، ثم اختلفوا في هذا التفريق فقال أبو حنيفة ، ومحمد بن الحسن ، وعبيد بن الحسن: هو طلقة بائنة ، فلو أكذب نفسه بعد ذلك جاز له نكاحها وهو رواية عن أحمد ، وقال أبو يوسف: هو حرمة مؤبدة، والله أعلم .

( السادس عشر: أن تكون محرمة بحج أو عمرة أو كان الزوج كذلك فلا ينعقد النكاح إلا بعد تمام التحلل) لما روى مسلم وغيره من حديث منبه بن وهب عن أبان عن عثمان عن أبيه رفعه قال: " لا ينكح المحرم ولا ينكح "، وفي رواية: " ولا يخطب " وقال أصحابنا: حل تزوج المحرمة ولو كان المتزوج بها محرما أو الولي المزوج لها محرما وهو قول ابن مسعود وابن عباس وأنس وجمهور التابعين ، وفي المتفق عليه من حديث جابر بن زيد عن ابن عباس أنه -صلى الله عليه وسلم- تزوج ميمونة وهو محرم. وروى عكرمة مرفوعا: تزوج ميمونة وهو محرم وبنى بها وهو حلال.

وروى أبو عوانة عن مغيرة عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة قالت: تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعض نسائه وهو محرم. رواته ثقات ، وحديث عثمان ضعيف قاله البخاري ، ولئن صح فهو محمول على الوطء لأنه الحقيقة والتذكير باعتبار الشخص ، ولا يعارض بما روي عن يزيد بن الأصم أنه -صلى الله عليه وسلم- تزوج بها وهو حلال ، ولهذا قال عمرو بن دينار للزهري: وما يدري ابن الأصم أعرابي بوال على ساقه أتجعله مثل ابن عباس ، أو أنه أراد بالتزويج البناء بها مجازا لأنه سببه فجاز إطلاقه على البناء ، وهذا أيضا ضعيف ، وقد جاء مرفوعا من رواية مطر الوراق وليس ممن يحتج به. وقال ابن عبد البر: هو غير متصل ووصله هو وهو غلط وبين وجهه. قال الإمام أبو جعفر الطحاوي: الذين رووا أنه -صلى الله عليه وسلم- تزوج بها وهو محرم أهل فقه ، وتثبت من أصحاب ابن عباس مثل سعيد بن جبير وعطاء وطاوس ومجاهد وعكرمة وجابر بن يزيد، والله أعلم .

وقوله: إلا بعد تمام التحلل تقدم بيانه في كتاب الحج .




الخدمات العلمية