الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ومن آدابها : أن تقوم بكل خدمة في الدار ، تقدر عليها فقد روي عن أسماء بنت أبي بكر الصديق ، رضي الله عنهما أنها ، قالت : تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير فرسه وناضحه فكنت أعلف فرسه وأكفيه مؤنته ، وأسوسه ، وأدق النوى لناضحه ، وأعلفه وأستقي الماء وأخرز غربه وأعجن وكنت أنقل النوى على رأسي من ثلثي فرسخ حتى أرسل إلي أبو بكر بجارية فكفتني سياسة الفرس ، فكأنما أعتقني .

ولقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ومعه أصحابه والنوى على رأسي فقال صلى الله عليه وسلم أخ أخ؛ لينيخ ، ناقته ويحملني خلفه فاستحييت أن أسير مع الرجال ، وذكرت الزبير وغيرته ، وكان أغير الناس فعرف رسول الله : صلى الله عليه وسلم إني قد استحييت فجئت الزبير فحكيت له ما جرى فقال والله لحملك النوى على رأسك أشد علي من ركوبك معه .

تم كتاب آداب النكاح بحمد الله ومنه وصلى الله على كل عبد مصطفى .

التالي السابق


(ومن آدابها: أن تقوم بكل خدمة في الدار، التي تقدر عليها) على وجه الندب، والاستحباب، لا على طريق الإيجاب، كما هو مذهب الشافعي، ومن الخدمة التي تقوم بها، كنس المنزل كل يوم، وإصلاح فرشه، وأخذ عش العنكبوت، إن كان، وطبخ ما تيسر، والعجن، والخبز، وسقي الدابة، إن كانت، وإعطاء العلف لها، وخياطة ما احتيج إليه، وملء الإناء للوضوء، وللشرب، وآخر في بيت الخلاء، وإحضار ماء للغسل، باردا، أو مسخنا، بحسب اختلاف الأوقات، فهذه هي اللوازم التي لا تسقط عنها، فإن اشترى الزوج خادما، أعانها على بعض ما ذكر .

(فقد روي عن أسماء بنت) أبي بكر (الصديق، رضي الله عنهما،) وهي شقيقة عبد الله بن أبي بكر، أمها قتيلة بنت عبد العزى العامرية، كان إسلامها قديما، وهاجرت إلى المدينة، وهي حامل بعبد الله بن الزبير، وكانت تسمى ذات النطاقين، توفيت سنة ثلاث وسبعين، بعد قتل ابنها عبد الله بيسير، وقد بلغت مائة سنة، لم تسقط لها سن، ولم ينكر لها عقل (قالت: تزوجني الزبير) بن العوام، أبو عبد الله القرشي، الأسدي، صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحواريه، وابن عمته صفية بنت عبد المطلب، وأحد العشرة، وكان تزوجها بمكة، وهذا قد أخرجه البخاري، ومسلم.

وهذا لفظ البخاري في النكاح: حدثنا محمود أبو أسامة، حدثنا هشام، أخبرني أبي، عن أسماء ابنة أبي بكر، قالت: تزوجني الزبير (وما له في الأرض من مال) أي: إبل، أو أرض للزراعة، ولا مملوك، عبد، ولا أمة (ولا شيء) من عطف العام على الخاص (غير فرسه) التي كان يركبها (وناضحه) ، أي: البعير نستقي عليه (فكنت أعلف فرسه) زاد مسلم في روايته: (وأكفيه مؤنته، وأسوسه، وأدق النوى لناضحه، وأعلفه) وعنده أيضا، من طريق أخرى: كنت أخدم الزبير خدمة البيت، وكان له فرس، وكنت أسوسه، فلم يكن من خدمته شيء أشد علي من سياسة الفرس، كنت أحسن له، وأقوم عليه (وأستقي الماء) هكذا بالفوقية، قبل القاف، وفي رواية: وأسقي. بحذف الفوقية، أي: أسقي الناضح، أو الفرس، والرواية الأولى أسهل معنى، وأكثر فائدة (وأخرز) أي: أخيط (غربه) بفتح الغين المعجمة، وسكون الراء، بعدها موحدة، أي: دلوه (وأعجن) دقيقه، وزاد البخاري: ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكن نسوة صدق (وكنت أنقل النوى) من أرض الزبير، التي أقطعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أي: مما أفاء الله عليه -صلى الله عليه وسلم- من أموال بني النضير (على رأسي) وهي [ ص: 411 ] (من) مكان سكني على (ثلثي فرسخ) بتثنية ثلث، والفرسخ: ثلاثة أميال، وكل ميل أربعة آلاف خطوة، قالت: ولم أزل أخدم (حتى أرسل إلي أبو بكر) بعد ذلك (بخادم) أي: أمة سوداء (فكفتني) ولفظ البخاري: يكفيني (سياسة الفرس، فكأنما أعتقني) ; لأنها أعانتها فيما كان يشق عليها، ولقيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (ومعه أصحابه) ولفظ البخاري: فجئت يوما (والنوى على رأسي) فلقيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومعه نفر من الأنصار (فقال -صلى الله عليه وسلم-) ولفظ البخاري: فدعاني فقال: (إخ، إخ) بكسر الهمزة، وسكون الحاء المعجمة (يستنيخ ناقته ويحملني) عليها (خلفه) ولفظ البخاري بعد إخ، إخ: ليحملني خلفه (فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته، وكان أغير الناس) أي: بالنسبة إلى عملها، أو إلى أبناء جنسه، وعند الإسماعيلي في المستخرج: من أغير الناس (فعرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني قد استحييت) فمضى (فجئت الزبير فحكيت له ما جرى) من أني لقيني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب، فاستحييت منه، وعرفت غيرتك (فقال) لها الزبير: (والله لحملك النوى على رأسك) كان (أشد علي من ركوبك معه) -صلى الله عليه وسلم-; إذ لا عار فيه، بخلاف حمل النوى، فإنه ربما يتوهم منه خسة نفسه، ودناءة همته، واللام في لحملك: للتأكيد، وحملك، مصدر، مضاف لفاعله، والنوى، مفعوله، وفي بعض روايات البخاري: أشد عليك، بزيادة الكاف، وفيه: أن على المرأة القيام بخدمة ما يحتاج إليه بعلها. ويؤيده قصة فاطمة رضي الله عنها، وشكواها، ما تلقى من الرحى، والجمهور على أنها متطوعة بذلك، أو يختلف باختلاف عوائد البلاد .

وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضا في الخمس، مقتصرا على قصة النوى، ورواه النسائي في عشرة النساء، وبه تم كتاب النكاح، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وباسمه الكريم يحسن الابتدءات والاختتامات، وصلى الله على سيدنا محمد، سيد الكائنات، وعلى آله وأصحابه الأئمة الهداة، وقد توسلت بهم، وبمصنف هذا الكتاب، أن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين، ويعافينا من البلاء أجمعين، آمين، وكان الفراغ من تأليفه في يوم الجمعة، بعد الصلاة، لثمان بقين من شهر رجب سنة 1168 .




الخدمات العلمية