الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الرابع : أن يكون المعقود عليه ، مقدورا على تسليمه شرعا وحسا فما لا يقدر على تسليمه حسا لا يصح بيعه ، كالآبق

التالي السابق


(الرابع: أن يكون المعقود عليه، مقدورا على تسليمه) ولا بد من القدرة على التسليم; ليخرج العقد عن أن يكون بيع غرر، ويوثق بحصول القرض، ثم إن القدرة على التسليم، قد يكون (شرعا) أي: من حيث الشرع (و) قد يكون (حسا) أي: من حيث الحس (فما لا يقدر على تسليمه حسا لا يصح بيعه، كالآبق) والضال، عرف موضعه، أو لم يعرف; لأنه غير مقدور على تسليمه في الحال، هذا هو المشهور، قال الأئمة: ولا يشترط في الحكم بالبطلان اليأس من التسليم، بل يكفي ظهور التعذر، وأحسن بعض الأصحاب، فقال: إذا عرف مكانه، وعرف أنه يتصل إليه إذا رام الوصول، فليس له حكم الآبق. وقال أصحابنا: ولا يجوز بيع الآبق; لما روينا، ولأنه يقدر على تسليمه، وهو شرط لجوازه، بخلاف العبد المرسل في حاجة; لثبوت القدرة على التسليم، وقت العقد حكما; لأن الظاهر من حاله عوده إلى مولاه، ولا كذلك الآبق، ولو باعه ممن زعم أنه عنده، جاز; لأن النهي ورد في الآبق المطلق، وهو أن يكون أبق عند المتعاقدين، وهذا ليس بآبق في حق المشتري; إذ هو في يده، فلا يتناوله النص المطلق; إذ هو ليس بعاجز عن تسليمه، وهو المانع، ثم لا يصير قابضا بمجرد العقد، إذا كان في يده، إن كان أشهد عند الأخذ، أنه أخذه ليرده على صاحبه; لأنه أمانة عنده .

وقبض الأمانة لا ينوب عن قبض المبيع; لأن قبضه مضمون على المشتري، ألا ترى أن المقبوض على سوم الشراء، مضمون بالقيمة، ولكن وجوب الثمن في البيع، مانع من وجوب القيمة، فقبض الضمان أقوى من قبض الأمانة; لتأكد قبض الضمان باللزوم، والملك، فإن المشتري لو امتنع من قبض المبيع، أجبر عليه، والضمان يوجب الملك من الجانبين، على ما هو الأصل عندنا، بخلاف قبض الأمانة، فإنه لا يجبر عليه، ولا يوجب الملك، فكان أضعف، فلا ينوب عن الأقوى، ولو لم يشهد عند الأخذ يصير قابضا بمجرد العقد عندهما، خلافا لأبي يوسف، فيما إذا لم يأخذه لنفسه، بل ليرده على صاحبه، وهذا بناء على أن الإشهاد ليس بشرط; لكونه أمانة عنده. وعندهما شرط، ولو باعه ممن قال: هو عند فلان، لم يجز; لأنه أبق عندهما، وهو المعتبر; إذ لا يقدر على تسليمه، ولو باعه ثم عاد قبل الفسخ، لم يعد صحيحا; لوقوعه باطلا; لعدم المحلية، كبيع الطير في الهواء، قبل التملك، بخلاف ما إذا باعه، ثم أبق قبل التسليم، ثم عاد، حيث يجوز; لأن احتمال عوده يكفي لبقاء العقد على ما كان، دون الابتداء. وعن أبي حنيفة: يعود صحيحا; لأن المالية فيه قائمة، فكان محلا للبيع، فينعقد، غير أنه عاجز عن تسليمه لينفذ، فإذا آب قبل الفسخ، عاد صحيحا; لزوال المانع، فيجبران على التسليم، والتسلم، فصار كما لو أبق بعد البيع، وكبيع المرهون، ثم افتك، وبه أخذ الكرخي، وجماعة من الأصحاب، وبالأول كان يفتي أبو عبد الله الثلجي، وجماعة من المشايخ، والله أعلم .




الخدمات العلمية