الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
السادس : أن يكون المبيع مقبوضا ، إن كان قد استفاد ملكه بمعاوضة وهذا ، شرط خاص وقد نهى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عن بيع ما لم يقبض .

ويستوي فيه العقار ، والمنقول فكل ما اشتراه أو باعه ، قبل القبض ، فبيعه باطل وقبض المنقول : بالنقل ، وقبض العقار : بالتخلية وقبض ما ابتاعه بشرط الكيل ، لا يتم إلا بأن يكتاله،

التالي السابق


(السادس: أن يكون المبيع مقبوضا، إن كان قد استفاد ملكه بمعاوضة، وهو شرط خاص) لم يذكره المصنف في الوجيز، بل اقتصر على الخمسة، ولكن أورده في آخر البيوع، في باب القبض، وأحكامه، وقال: (وقد نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن بيع ما لم يقبض) . قال العراقي: متفق عليه، من حديث ابن عباس، اهـ. قلت: الذي عند البخاري من حديثه، أما الذي نهى عنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فهو الطعام أن يباع، قبل أن يقبض. ولفظ مسلم: أحسب كل شيء بمنزلة الطعام. وعند البيهقي، من طريق أبي إسحاق، عن عطاء، عن صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه، قال: استعمل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عتاب بن أسيد، على أهل مكة، وقال: إني أمرتك على أهل الله، بتقوى الله، لا يأكل أحدكم من ربح ما لم يضمن، وأن يبيع أحدكم ما ليس عنده. وفي بعض رواياته، قال له: انههم عن بيع ما لم يقبضوا، وربح ما لم يضمنوا.

(ويستوي فيه العقار، والمنقول) أي: لا يجوز بيع المبيع قبل القبض، عقارا كان، أو منقولا، لا بإذن البائع، ولا دونه، لا قبل أداء الثمن، ولا بعده (فكل ما اشتراه، وباعه، قبل القبض، فبيعه باطل) خلافا لأبي حنيفة، حيث قال: يجوز بيع العقار قبل القبض. ولمالك حيث جوز بيع غير الطعام قبل القبض، وكذا بيع الطعام إذا كان جزافا، ولا حد، حيث جوز بيع ما ليس بمكيل، ولا موزون، ولا معدود، ولا مذروع، قبل القبض .

وقد يروى عن مالك، وأحمد، ما بينه وبين هذه الرواية بعض التفاوت، وذكر الأصحاب من طريق المعنى سببين: أحدهما: أن الملك قبل القبض ضعيف; لكون المبيع من ضمان البائع، وانفساخ المبيع لو تلف، فلا يفيد ولاية التصرف. والثاني: أنه لا يتوالى ضمان عقدين في شيء واحد، ولو نفذنا البيع من المشتري لاضطر إلى تواليه; لأن المبيع مضمون على البائع للمشتري، وإذا نفذ منه، صار مضمونا عليه للمشتري الثاني، فيكون الشيء الواحد مضمونا له، وعليه، في عهدين، وهل الإعتاق كالبيع؟ فيه وجهان، أصحهما: لا، بل يصح الإعتاق، ويصير قابضا به; لقوة العتق، وغلبته .

ولو وقف المبيع قبل القبض، فقيل: هو كالبيع، وقيل: كالإعتاق، والكتابة كالبيع، في أصح الوجهين .

وفي هبة المبيع قبل القبض، وجهان، وقيل: قولان: أصحهما عند عامة الأصحاب: المنع; لضعف الملك، والإقراض، والتصرف، كالهبة، والرهن، ففيهما الخلاف .

وفي إجارة المبيع قبل القبض وجهان، أصحهما: المنع. وعند المصنف: الصحة .

(وقبض المنقول: بالنقل، وقبض العقار: بالتخلية) عنه (وقبض ما ابتاعه بشرط الكيل، لا يتم إلا بأن يكيله) هذا شروع من المصنف في بيان أن القبض لم يحصل، والقول الجلي فيه: أن الرجوع فيما يكون قبضا، إلى العادة، ويختلف بحسب اختلاف الأول، وتفصيله: أن المال إما أن يباع من غير اعتبار تقدير فيه، أو يباع معتبرا فيه تقدير الحالة الأولى، أن لا يعتبر فيه تقدير إما لعدم إمكانه، أو مع الإمكان، فينظر، إن كان المبيع مما لا ينتقل، كالدور، والأراضي، فقبضه بالتخلية بينه وبين المشتري، وتمكينه من اليد، والتصرف، فتسليم المفتاح إليه، ولا يعتبر دخوله، والتصرف فيه، وشرط كونه فارغا من أمتعة البائع. وإن كان المبيع من جملة المنقولات، فالمذهب المشهور، وبه قال أحمد: أنه لا يكفي فيه التخلية، بل لا بد في النقل من التحويل، وقال مالك، وأبو حنيفة: أنه يكفي فيه التخلية، كما في العقار. وعن رواية حرملة: قول مثله. الحالة الثانية: أن يباع الشيء مع اعتبار تقدير فيه، كما إذا اشترى ثوبا، أو أرضا مذارعة، أو متاعا موازنة، أو صبرة حنطة مكايلة، أو معدودا بالعدد، فلا بد فيه بعد القبض من الذرع، أو الوزن، أو المكيل، أو العدد .

وكذا لو أسلم في آصع أو أمناء من الطعام، لا بد في قبضه من الكيل، والوزن، ولكل من الحالتين مسائل، ولها فروع مذكورة في محلها .




الخدمات العلمية