روى الإمام أحمد ، والترمذي وحسنه ، وابن ماجه ، والحاكم ، عن معاوية بن صيدة -رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في الآية : "إنكم تتمون سبعين أمة ، أنتم خيرها ، وأكرمها على الله" .
الثامنة والثمانون : وبأنها مثل المطر ، لا يدرى أوله خير أم آخره .
قال التوربشتي : لا يحمل هذا الحديث على التردد في فضل الأول على الآخر ، فإن القرن الأول هم المفضلون على سائر القرون من غير شبهة ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، وإنما المراد بهم نفعهم في بث الشريعة والذب عن الحقيقة .
وقال البيضاوي : نفى تعلق العلم بتفاوت طبقات الأمة في الخيرية ، وأراد به نفي التفاوت كما قال تعالى : [ قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض [يونس 18] أي بما ليس فيهن كأنه قال لو كان لعلم لأنه أمر لا يخفى ولكن لا يعلم] لاختصاص كل طبقة منهم بخاصية ، وفضيلة توجب خيريتها كما أن كل نوبة من نوب المطر لها فائدة في النشو ، والنماء ، لا يمكنك إنكارها ، والحكم بعدم نفعها ، فإن الأولين آمنوا بما شاهدوا من المعجزات ، وتلقوا دعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالإجابة والإيمان ، والآخرين آمنوا بالغيب ، لما تواتر عندهم من الآيات ، واتبعوا من قبلهم بالإحسان ، وكما أن المتقدمين اجتهدوا في التأسيس والتمهيد ، فالمتأخرون بذلوا وسعهم في التلخيص والتجريد ، وصرفوا عمرهم في التقرير والتأكيد ، فكل ذنبهم مغفور ، وسعيهم مشكور ، وأجرهم موفور .
وقال الطيبي : وتمثيل الأمة بالمطر ، إنما يكون بالهدى والعلم كما أن تمثيله -صلى الله عليه وسلم- الغيث بالهدى والعلم فتختص هذه الأمة المشبهة بالمطر ، بالعلماء الكاملين منهم المكملين لغيرهم فيستدعي هذا التفسير أن يراد بالخير النفع ، فلا يلزم من هذا المساواة في الأفضلية ، ولو ذهب إلى الخيرية ، فالمراد وصف الأمة قاطبة ، سابقها ولاحقها ، وأولها وآخرها ، [بالخير وأنها ملتحمة بعضها مع بعض مرصوصة بالبنيان] كالحلقة المفرغة ، لا يدرى أين طرفاها وفي أسلوب هذا الكلام قول الأنمارية : هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها تريد المكملة ، ويلمح إلى هذا المعنى قول الشاعر :
إن الخيار من القبائل واحد وبنو حنيفة كلهم أخيار
فالحاصل أن الأمة بأسرها مرتبطة بعضها مع بعض في الخيرية ، بحيث أبهم أمرها فيها وارتفع التمييز بينها ، وإن كان بعضها أفضل من بعض في نفس الأمر ، وهو قريب من باب سوق المعلوم مساق غيره ، وفي معناه أنشد مروان بن أبي حفصة :تشابه يوماه علينا فأشكلا     فما نحن ندري أي يوميه أفضل 
 [ ص: 357 ] يوما بداء العمر أم يوم يأسه     وما منهما إلا أغر محجل 
التاسعة والثمانون : وبأنها آخر الأمم ، ففضحت الأمم عندهم ، ولم يفضحوا .
التسعون : وبأن الله تعالى اشتق لهم اسمان من أسمائه .
الحادية والتسعون : وبأنه تعالى سمى دينه الإسلام ، ولم يوصف بهذا الوصف إلا الأنبياء ، قال سبحانه وتعالى : هو سماكم المسلمين من قبل [الحج 78] .
روى إسحاق بن راهويه ، وابن أبي شيبة في المصنف ، عن مكحول قال : كان لعمر على رجل من اليهود حق ، فأتاه يطلبه ، فقال عمر : لا والذي اصطفى محمدا على البشر لا أفارقك فقال اليهودي : والله ما اصطفى الله محمدا على البشر ، فلطمه عمر فأتى اليهودي النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره فقال : "أما أنت يا عمر ، فأرضه من لطمته ، بل يا يهودي ، آدم صفي الله ، وإبراهيم خليل الله ، وموسى نجي الله ، وعيسى روح الله ، وأنا حبيب الله ، بل يا يهودي تسمى الله باسمين ، سمى بهما أمتي ، هو السلام ، وسمى بها أمتي المسلمين ، وهو المؤمن ، وسمى بها أمتي المؤمنين ، بل يا يهودي ، طلبتم يوما دخر لنا اليوم ، ولكم غد ، وبعد غد للنصارى ، بل يا يهودي ، أنتم الأولون ، ونحن السابقون يوم القيامة ، بل إن الجنة محرمة على الأنبياء حتى أدخلها وهي محرمة على الأمم حتى تدخلها أمتي" .
وروي عن عبد الله بن زيد الأنصاري -رضي الله عنه- قال : تسموا بأسمائكم التي سماكم الله تعالى بها بالحنفية ، والإسلام ، والإيمان . انتهى .
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					