الثالثة عشرة : وبأنه ضحى عن أمته ، وليس لأحد بأن يضحي عن أحد بغير إذنه .  
روى  الحاكم  عن  عائشة-  رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذبح كبشا أقرن بالمصلى ثم قال : "اللهم ، هذا عني وعن من لم يضح من أمتي"  . 
الرابعة عشرة : وبأن له أن يقضي بعلم نفسه ، ولو في الحدود وفي غيره خلاف . 
روى الشيخان عن  عائشة-  رضي الله تعالى عنها- أن هند بنت عتبة  قالت : يا رسول الله ، إن أبا سفيان  رجل مسيك ، فهل علي من حرج أن أطعم من الذي له عيالنا ؟ فقال : "لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف" . 
وجه الدلالة منه : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يطالبها بالبينة على الزوجية ، لأنه علم أنها زوجته ، فحكم بأخذ النفقة من ماله بالمعروف . 
وهذا هو القضاء بالعلم ، ذكر ذلك  البخاري   وابن جرير   وابن المنذر   والبيهقي  وغيرهم . 
الخامسة عشرة : وبأن يحكم بغير دعوى ، ولا يجوز ذلك لغيره .  
قاله ابن دحية ، واستدل بما روى  مسلم  عن  أنس-  رضي الله تعالى عنه- أن رجلا كان يتهم بأم إبراهيم ،  فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  لعلي :   "اذهب فاضرب عنقه" ، فأتاه  علي ،  فإذا هو في ركن يتبرد فيها ، فقال له ،  علي :  اخرج ، فناوله يده فأخرجه ، فإذا هو مجبوب ، ليس له ذكر فكف علي عنه ، ثم أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله! إنه لمجبوب ما له ذكر . 
وقد ورد تسمية هذا مأثورا ، والذي كان يتهم بها مارية  فقال الناس : علج يدخل على علجة ، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  عليا  بقتله .  [ ص: 432 ] 
قال الحضيري :  والاستدلال به على ما ادعاه غير  مسلم  فإن الحديث قد استشكله جماعة من العلماء ، حتى قال  ابن جرير :  يجوز أن يكون المذكور من أهل العهد ، وفي عهده أن لا يدخل على مارية ،  فقال : ودخل عليها ، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقتله لنقض عهده . 
وقال النووي  تبعا للقاضي : قيل لعله كان منافقا ومستحقا للقتل بطريق آخر ، وجعل هذا محركا لقتله بنفاقه وغيره لا بالزنا ، وكف عنه علي اعتمادا على أن القتل بالزنا وقد علم انتفاء الزنا ، وفيه نظر أيضا ، لأنا نعتبر نفي ظن الزنا من مارية ،  فإنه لو أمر بقتله بذلك ، لأمر بإقامة الحد عليها أيضا ، ولم يقع ذلك معاذ الله أن يختلج ذلك في خاطره أو يتفوه به . 
وأحسن ما يقال في الجواب عن هذا الحديث ، ما أشار إليه  أبو محمد بن حزم  في "الإيصال إلى فهم كتاب الخصال" ، فإنه قال : من ظن أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر بقتله حقيقة بغير بينة ولا إقرار فقد جهل ، وإنما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم أنه بريء مما نسب إليه ورمي به ، وأن الذي ينسب إليه كذب ، فأراد -صلى الله عليه وسلم- إظهار الناس على براءته يوقفهم على ذلك مشاهدة ، فبعث عليا ومن معه فشاهدوه مجبوبا- أي مقطوع الذكر- فلم يمكنه قتله لبراءته مما نسب إليه ، وجعل هذا نظير قصة سليمان  في حكمه بين المرأتين المختلفتين في الولد ، فطلب السكين ليشقه نصفين إلهاما ، ولظهور الحق ، وهذا حسن . انتهى كلام الحضيري . 
السادسة عشرة : وبأن له أن يحكم لنفسه . 
السابعة عشرة : ولفرعه . 
الثامنة عشرة : ويشهد لنفسه . 
التاسعة عشرة : ولفرعه . 
العشرون : وبقبول شهادة من شهد له [كشهادة خزيمة]   . 
الحادية والعشرون : وبالهدية بخلاف غيره من الحكام ، لأنه والأنبياء -صلى الله عليه وسلم- أجمعين معصومون ، لا يجوز عليهم أن يحكموا بالهوى ، وإنما منع الحاكم من الحكم لنفسه ولولده ، لأنه يجوز عليه الهوى ، فمنع من ذلك ، والمعصوم- عليه السلام- لا يجوز عليه ذلك فجاز له ، ولأن الهدية إنما حرمت على الحكام خوفا عليهم من الزيغ في الشريعة . 
الثانية والعشرون : وبعدم كراهة الحكم والفتوى حال الغضب ، لأنه لا يخاف عليه من الغضب ما يخاف علينا . 
ذكره النووي  في شرح مسلم عند حديث اللقطة ، فإنه -صلى الله عليه وسلم- أفتى فيه ، وقد غضب حتى احمرت وجنتاه .  [ ص: 433 ] 
الثالثة والعشرون : وبأن له أن يقتل من سبه أو هجاه ،  قاله ابن سبع ، وذلك راجع إلى القضاء لنفسه . 
الرابعة والعشرون : وبأن له أن يحمي الموات لنفسه ، مع أنه لم يقع ذلك منه ، وليس لغيره من بعده أن يحموا لأنفسهم .  
روى  البخاري  عن الصعب بن جثامة  أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال :  "لا حمى إلا لله ولرسوله"  . 
الخامسة والعشرون : وبأنه لا ينقض ما حماه -صلى الله عليه وسلم- ومن أخذ شيئا مما حماه ضمن قيمته في الأصح بخلاف ما حماه غيره من الأئمة لو رعاه ذو قوة فلا غرم عليه . 
السادسة والعشرون : وبأن له أن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما المحتاج إليهما إذا احتاج إليهما ، وعليه البذل ويفدي بمهجته مهجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال الله- سبحانه وتعالى- : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم   [الأحزاب - 6] . 
السابعة والعشرون : وبأن لو قصده ظالم لوجب على من حضره أن يبذل نفسه دونه نقله في زوائد الروضة عنالفوراني  وغيره . 
قال الجلال البلقيني :  وهذا المتعقب ، فإن قاصد نفسه كافر والكافر يجب دفعه عن كل مسلم ، فلا خصوصية حينئذ قال الحضري :  وهذا صحيح بالنسبة إلى قاصده فقط ، لكن يدعى الخصوصية في ذلك من جهتين أخريين . 
إحداهما : أنه يجب بذل النفس في الدفع عنه -صلى الله عليه وسلم- مع الخوف على النفس ، بخلاف غيره من الأمة ، فإنه لا يجب الدفع مع الخوف كما قرره  الرافعي  والنووي  في كتاب الصيد . 
والجهة الثانية : من الخصوصية : أن قاصد غير النبي -صلى الله عليه وسلم- مسلما لا يكفر ، ولو وجب الدفع ، وقاصده -صلى الله عليه وسلم- يكفر بذلك . 
الثامنة والعشرون : وبأن له القتل بعد الأمان قاله ابن القاص  فيما نقله الإمام الرافعي  وغيرهما عنه وخطأه وقال ابن الرفعة  فيما نقله الزركشي  عنه هذا النقل فيه خلل ، والذي في التلخيص كان يجوز له القتل في الحرم بعد إعطائه الأمان . 
قال وهذا لا يطابق ما حكي عنه ، لأن ذلك ينصرف بإطلاقه إلى جواز قتل من أمنه وهذا بظاهره يعطي أنه إذا قال : من دخل الحرم فهو آمن ، فدخل شخص الحرم وكان ثم سبب يقتضي قتله ، أبيح له قتله . 
وكذا قال ابن الملقن :  إنه رآه كذلك في التلخيص فظهر بهذا أن ابن القاص قصد قصة عبد الله بن خطل .   [ ص: 434 ] 
وروى الشيخان عن  أنس  أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة  يوم الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاء رجل فقال : يا رسول الله ، ابن خطل  معلق بأستار الكعبة فقال : اقتلوه . 
فابن القاص-رحمه  الله تعالى- معذور ، فإنه لما رأى حديث الأمان في دخول المسجد وحده ، رأى في هذا الحديث الأمر بقتل ابن خطل  بسط هذه الخصوصية ، وهذا نهاية أمر الفقيه جمعا بين الأحاديث ، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أمن الناس استثنى ابن أخطل  وغيره ، كما سبق في غزوة الفتح . 
				
						
						
