الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

939 - بكر بن مضر بن محمد بن حكيم ، أبو عبد الملك ، مولى ربيعة بن شرحبيل بن حسنة

ولد سنة مائة ، وكان عابدا ، وتوفي يوم عرفة من هذه السنة .

940 - عبد الله بن لهيعة بن عقبة بن فرغان ، أبو عبد الرحمن الحضرمي .

ولد سنة سبع وتسعين . وروى عن مشرح بن هاعان ، وغيره . وكان قاضي مصر ، وروى عنه : الليث ، وابن المبارك .

وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة ، وكان ضعيفا .

941 - عبد الرحمن بن أبي الزناد ، يكنى : أبا عبد الله .

توفي في هذه السنة .

942 - محمد بن عبد الرحمن بن أبي الزناد

- واسم أبي الزناد : عبد الله بن ذكوان - مولى رملة بنت شيبة ، وكنية محمد : أبو عبد الله ، المديني .

كان يطلب الحديث مع أبيه ، ولقي عامة شيوخه ، وكان بينهما في السن سبع عشرة سنة ، وحديثه قليل ، روى عنه محمد بن عمر الواقدي . وكان عالما بالقراءة [ ص: 5 ] والحديث ، والفرائض ، والحساب ، والعروض .

توفي في هذه السنة وهو ابن أربع وخمسين سنة ، ومات أبوه قبله بإحدى وعشرين ليلة ، ودفنا في مقابر باب التين . وقيل : في مقبرة الخيزران .

943 - منصور ، مولى عيسى بن جعفر ، ولقبه : زلزل فغلب عليه ونسي اسمه .

وكان يضرب بالعود ، فيضرب به المثل ، وعمل ببغداد بركة للسبيل كان يضرب بها المثل .

أخبرنا أبو منصور القزاز قال : أخبرنا [ أبو بكر ] أحمد [بن علي ] الخطيب قال : أنشدنا الحسن بن أبي بكر قال : أنشدنا أبي قال : أنشدنا إبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه لنفسه :


لو أن زهيرا وامرأ القيس أبصرا ملاحة ما تحويه بركة زلزل     لما وصفا سلمى ولا أم سالم
ولا أكثرا ذكر الدخول فحومل



أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز قال : أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أخبرنا أبو عمر بن حيوية قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان قال : أخبرنا أبو العباس المروزي قال : حدثني المفضل قال : حدثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي ، عن أبيه قال : قال لي زلزل : عندي جارية من حالها من قصتها قد علمتها الغناء . فكنت أشتهي أن أراها ، وأستحي أن أسأله ، فلما توفي زلزل بلغني أن ورثته يعرفون الجارية ، فصرت إليهم ، فأخرجوها فإذا هي جارية كاد الهزال يكويها ، لولا ما تم منها ونقص منه ، فقلت لها : غني ، فغنت وعيناها تذرفان ، ثم شهقت ، ظننت أن نفسها قد خرجت . فركبت من ساعتي ، فدخلت على أمير المؤمنين ، فأخبرته خبرها ، فأمر بإحضارها ، فلما دخلت عليه قال : غني . فغنت وجعلت تريد البكاء ، فتمنعها هيبة أمير المؤمنين ، [ ص: 6 ] فرحمها وأعجب بها ، وقال : أتحبين أن أشتريك ؟ فقالت : يا سيدي ، أما إذ خيرتني فقد وجب نصحك علي ، والله لا يشتريني أحد بعد زلزل فينتفع بي . فأمر بشرائها وأعتقها وأجرى عليها رزقا .

وفي رواية أخرى : أنه قال : أتحبين أن أشتريك ؟ فقالت : يا أمير المؤمنين ، لقد عرضت علي ما يقصر عنه الأمل ، ولكن ليس من الوفاء أن يملكني أحد فينتفع بي . فزاد رقة عليها ، وقال : غني [صوتا ] فغنت :


العين تظهر كتماني وتبديه     والقلب يكتم ما ضمنته فيه
وكيف ينكتم المكنون بينهما     والعين تظهره والقلب يخفيه



فاشتراها وأعتقها ، وأجرى عليها إلى أن مات .

944 - عابد مصري مبتلى .

أخبرنا عبد الوهاب الأنماطي قال : أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال : أخبرنا أحمد بن علي التوذي قال : أخبرنا عمر بن ثابت [قال : ] أخبرنا علي بن أحمد بن أبي قيس [قال : ] حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا [قال : ] حدثنا علي بن الحسين ، عن موسى بن عيسى ، عن الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي قال : حدثني بعض الحكماء قال : خرجت وأنا أريد الرباط ، حتى إذا كنت بعريش مصر أو دونه إذا أنا بمظلة ، وإذا فيها رجل قد ذهبت يداه ورجلاه وبصره ، وإذا هو يقول : اللهم إني أحمدك حمدا يوافي محامد خلقك ، كفضلك على سائر خلقك ، إذ فضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلا .

فقلت : والله لأسألنه أعلمه أم ألهمه ، فدنوت منه ، فسلمت عليه فرد علي السلام فقلت له : إني سائلك عن شيء تخبرني به . قال : إن كان عندي منه علم أخبرتك . فقلت : على أي نعمة من نعمه تحمده أم على أي فضيلة تشكره ؟ قال : أليس ترى ما قد صنع بي ؟ قلت : بلى . قال : فوالله لو أن الله عز وجل صب علي السماء نارا فأحرقتني ، وأمر الجبال فدمرتني ، وأمر البحار فغرقتني ، وأمر الأرض فخسفت بي ، ما ازددت له إلا حبا [ ص: 7 ] وشكرا وإن لي إليك حاجة . قلت : وما هي ؟ قال : كان لي من يتعاهدني في وقت صلاتي ويطعمني عند إفطاري ، وقد فقدته منذ أمس ، انظر [لي ] ، هل تحسه لي . فقلت : إن في قضاء حاجة هذا العبد لقربة إلى الله تعالى ، فخرجت في طلبه حتى إذا كنت في كثبان من رمل ، إذا سبع قد افترس الغلام فأكله ، فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، كيف آتي هذا العبد الصالح من وجه رقيق فأخبره الخبر لئلا يموت ، فأتيته ، فسلمت عليه ، فرد علي السلام ، فقلت له : إني سائلك عن شيء ، أتخبرني به ؟ قال : إن كان عندي منه علم أخبرتك به . قلت : أنت أكرم على الله عز وجل منزلة أم أيوب عليه السلام ؟ قال : بل أيوب عليه السلام كان أكرم على الله عز وجل مني ، وأعظم منزلة . فقلت : أليس [قد ] ابتلاه فصبر ، حتى استوحش منه من كان يأنس به ، وصار غرضا لمرار الطريق ؟ فقال : بلى . قلت : إن ابنك الذي أخبرتني من قصته ما أخبرتني ، خرجت في طلبه ، حتى إذا كنت بين كثبان رمل ، إذا أنا بالسبع قد افترس الغلام وأكله . فقال : الحمد لله الذي لم يجعل في قلبي حسرة من الدنيا . ثم شهق شهقة فمات . فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، من يعينني على غسله وتكفينه ودفنه . فبينا أنا كذلك إذا بركب يريدون الرباط ، فأشرت إليهم فأقبلوا ، فقالوا : ما أنت وهذا ؟

فأخبرتهم بالذي كان من أمره ، فثنوا رحلهم فغسلناه بماء البحر ، وكفناه بأثواب كانت معهم ، ووليت الصلاة عليه من بينهم ، ودفناه في مظلته تلك ، ومضى القوم إلى [ ص: 8 ] رباطهم ، وبت في مظلته تلك الليلة آنسا به .

فلما مضى من الليل مثل ما بقي ، إذا أنا بصاحبي في روضة خضراء عليه ثياب خضر قائما يتلو الوحي ، فقلت : أليس أنت صاحبي ؟ قال : بلى . قلت : فما الذي صيرك إلى ما أرى ؟ قال : وردت من الصابرين على درجة لم ينالوها إلا بالصبر عند البلاء ، والشكر عند الرخاء .

فقال الأوزاعي ما زلت أحب أهل ذلك البلاء منذ حدثني الحكيم بهذا الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية