الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

983 - إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي ، أبو عتبة .

من أهل حمص ، ولد سنة اثنتين ومائة . وقيل : سنة ست . وسمع من الأكابر من أبي بكر بن أبي مريم ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وسهل بن أبي صالح ، وغيرهم .

وروى عنه : الأعمش وابن المبارك ويزيد بن هارون وقدم بغداد على المنصور فولاه خزانة الكسوة ، وكان يقول : ورثت عن أبي أربعة آلاف دينار فأنفقها في طلب العلم .

[ ص: 68 ] قال يحيى بن معين : إسماعيل ثقة ، والعراقيون يكرهون حديثه . وقال البخاري : إذا حدث عن أهل بلده فصحيح ، وإذا حدث عن غير أهل بلده ففيه نظر .

توفي في هذه السنة وبعضهم يقول : في سنة إحدى وثمانين .

984 - عمار بن محمد ، أبو اليقظان الكوفي .

ابن أخت سفيان الثوري ، سكن بغداد وحدث عن الأعمش . روى عنه : أحمد بن حنبل ، والحسن بن عرفة . وقد وثقه قوم .

وقال ابن حبان : كان ممن فحش خطؤه وكثر وهمه فاستحق الترك .

توفي في محرم هذه السنة .

985 - محمد بن أبي شيبة بن إبراهيم بن عثمان [العبسي ] الكوفي .

والد أبي بكر وعثمان وغيرهما .

قال أبو زكريا [ يحيى بن معين ] كان رجلا جميلا ثقة كيسا ، وكان على قضاء فارس ، ومات بفارس في هذه السنة وهو ابن سبع وسبعين سنة .

986 - محمد بن حميد ، أبو سفيان اليشكري يعرف بالمعمري .

[لقي ] معمر بن راشد ، ولرحلته [إليه ] سمي المعمري . وسمع سفيان الثوري وغيره . وكان ثقة صدوقا فاضلا .

توفي في هذه السنة .

[ ص: 69 ] 987 - مروان بن سليمان [بن يحيى ] بن أبي حفصة ، أبو الهيذام . وقيل : أبو السمط .

واسم أبي حفصة : يزيد ، وكان من سبي إصطخر ، سبي غلاما فاشتراه عثمان بن عفان ، فوهبه لمروان [بن الحكم ] فأعتقه يوم الدار ، لأنه أبلى يومئذ بلاء حسنا .

وقيل : إن أبا حفصة كان طبيبا يهوديا أسلم على يد عثمان بن عفان . وقيل : على يد مروان بن الحكم .

كان مروان بن سليمان شاعرا مجيدا ، ومدح المهدي والرشيد ومعن بن زائدة .

وقال الكسائي : إنما الشعر سقاء تمخض ، فدفعت الزبدة إلى مروان بن أبي حفصة .

أخبرنا أبو منصور القزاز قال : أخبرنا [ أبو بكر أحمد بن علي ] الخطيب قال : أخبرني أبو علي الجازري قال : حدثنا المعافى قال : حدثنا أحمد بن العباس العسكري قال : حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال : حدثنا عبد الله بن موسى بن حمزة قال : حدثني أحمد بن موسى قال : حدثنا الفضل بن بزيع قال : رأيت مروان بن أبي حفصة قد دخل على المهدي بعد موت معن [بن زائدة ] فمدحه بأبيات ، فقال : من أنت ؟ قال : شاعرك مروان بن أبي حفصة . فقال له : ألست تقول :


أقمنا باليمامة بعد معن مقاما ما نريد به زيالا     وقلنا أين نرحل بعد معن
وقد ذهب النوال فلا نوالا



[ ص: 70 ] قد جئت تطلب نوالنا ، وقد ذهب النوال فلا شيء لك عندنا ، جروا برجله . فجر برجله حتى أخرج . فلما كان في العام المقبل تلطف حتى دخل مع الشعراء . وإنما كانت الشعراء تدخل على الخلفاء في كل عام مرة ، فمثل بين يديه فأنشده :


طرقتك زائرة فحي خيالها



إلى أن بلغ [منها ]


شهدت من الأنفال آخر آية     بتراثهم فأردتم أبطالها



فجعل المهدي يتزاحف عن مصلاه إعجابا بقوله ، ثم قال : كم هي بيتا ؟ قال : مائة بيت . فأمر له بمائة ألف درهم ، فلما أفضت الخلافة إلى الرشيد أنشده فقال : ألست القائل في معن كذا وكذا ؟ وذكر البيتين ، ثم أمر بإخراجه ، فتلطف حتى عاد ودخل بعد يومين ، فأنشده قصيدة ، فأمر له بعدد أبياتها ألوفا .

أخبرنا القزاز قال : أخبرنا الخطيب [قال : أخبرنا ] الأزهري قال : أخبرنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال : حدثني عبد الله بن إسحاق بن سلام قال : خرج مروان من دار المهدي ومعه ثمانون ألف درهم ، فمر بزمن ، فسأله فأعطاه ثلثي درهم ، فقيل له : هلا أعطيته درهما ؟ فقال : لو أعطيت مائة ألف لأتممت له درهما .

قال : وكان مروان يبخل فلا يسرج له في داره ، فإذا أراد أن ينام أضاءت له الجارية بقصبة إلى أن ينام .

[ ص: 71 ] أنبأنا محمد بن عبد الملك ، عن أبي محمد الجوهري قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني قال : أخبرني يوسف بن يحيى بن علي المنجم ، عن أبيه قال : حدثني ابن مهرويه قال : حدثني علي بن محمد النوفلي قال : سمعت أبي يقول : كان المهدي يعطي ابن أبي حفصة وسلما الخاسر عطية واحدة ، وكان سلم يأتي باب المهدي على برذون قيمته عشرة آلاف درهم ، ولباسه الخز والوشي والطيب يفوح منه ، ويجيء مروان وعليه فرو وكل وقميص كرابيس ، وكساء غليظ ، وكان لا يأكل اللحم بخلا حتى يقدم إليه ، فإذا قدم [إليه ] أرسل غلامه فاشترى له رأسا فأكله ، فقيل له : نراك لا تأكل إلا الرءوس . فقال : الرأس أعرف شعره فآمن خيانة الغلام ، وليس بلحم يطبخه الغلام فيقدر أن يأكل منه ، وآكل منه ألوانا : آكل عينيه لونا ، وأذنيه لونا ، وغلصمته لونا ، ودماغه لونا ، وأكفى مئونة طبخه ، فقد اجتمعت لي فيه مرافق .

قال المرزباني : وحدثني أحمد بن عيسى الكرخي قال : حدثنا أبو العيناء قال : كان مروان بن أبي حفصة من أبخل الناس ، خرج يريد المهدي ، فقالت له امرأة من أهله : ما لي عليك إن رجعت بالجائزة ؟ قال : إن أعطيت مائة ألف درهم أعطيتك درهما ، فأعطي ستين ألفا ، فدفع إليها أربعة دوانيق .

توفي مروان في هذه السنة ودفن ببغداد في مقبرة نصر بن مالك .

التالي السابق


الخدمات العلمية