الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
988 - يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن حبتة الأنصاري .

وسعد من الصحابة ، عرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فاستصغره . وحبتة أمه ، وأبوه : بحير بن معاوية .

[ ص: 72 ] ويكنى يعقوب : أبا يوسف القاضي ، وهو صاحب أبي حنيفة .

سمع أبا إسحاق الشيباني ، وسليمان التيمي ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، والأعمش ، وهشام بن عروة ، وابن إسحاق ، والليث في آخرين .

روى عنه : محمد بن الحسن ، وعلي بن الجعد ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى ابن معين .

وسكن بغداد وولاه الهادي القضاء ، ثم الرشيد ، وهو أول من دعي بقاضي القضاة في الإسلام .

وكان استخلف ابنه يوسف على الجانب الغربي ، وأقره الرشيد على عمله وولاه قضاء القضاة بعد أبي يوسف .

وقد روينا أنه تردد إلى أبي حنيفة وهو فقير ، فنهاه أبوه عن ذلك فانقطع فلما رآه أبو حنيفة [انقطع ] سأله عن سبب انقطاعه ، فأخبره فأعطاه مائة درهم وقال : استمتع بهذه ، فإذا فرغت فأخبرني . ثم كان يتعاهده .

وروينا أن أباه مات وخلفه طفلا ، وأن أمه هي التي أنكرت عليه ملازمة أبي حنيفة .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال : ذكر محمد بن الحسن بن زياد النقاش : أن محمد بن عبد الرحمن الشامي أخبرهم قال : أخبرنا علي بن الجعد قال : أخبرني يعقوب بن إبراهيم أبو يوسف قال : توفي أبي وخلفني صغيرا في حجر أمي ، فأسلمتني إلى قصار أخدمه ، فكنت أدع القصار وأمر إلى حلقة أبي حنيفة ، فأجلس فأستمع ، وكانت أمي [ ص: 73 ] تجيء خلفي إلى الحلقة فتأخذ بيدي ، وتذهب بي إلى القصار ، وكان أبو حنيفة يعنى بي ، لما يرى من حرصي على التعلم ، فلما كثر ذلك على أمي قالت لأبي حنيفة : ما لهذا الصبي فساد غيرك ، هذا صبي يتيم لا كسب له ، وأنا أطعمه من مغزلي ، وآمل أنه يكسب دانقا يعود به على نفسه . فقال لها أبو حنيفة : مري يا رعناء ، ها هو ذا يتعلم أكل الفالوذج بدهن الفستق . فانصرفت وقالت له : أنت شيخ قد خرفت وذهب عقلك . ثم لزمته ، فنفعني الله بالعلم ، ورفعني حتى تقلدت القضاء ، وكنت أجالس الرشيد ، وآكل معه على مائدته ، فلما كان في بعض الأيام قدم إلي هارون فالوذجة بدهن [فقال لي هارون : يا يعقوب ، كل منه ، فليس كل يوم يعمل لنا مثله . فقلت : وما هذه يا أمير المؤمنين ؟ فقال : هذه فالوذجة بدهن ] الفستق ، فضحكت . فقال لي : مم تضحك ؟ فقلت : خيرا ، أبقى الله أمير المؤمنين . فقال : لتخبرني . وألح علي ، فأخبرته بالقصة من أولها إلى آخرها ، فتعجب من ذلك ، وقال : لعمري إن العلم يرفع وينفع دنيا وآخرة . وترحم على أبي حنيفة ، وقال : كان ينظر بعين عقله ما لا يرى بعين رأسه .

أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز قال : أخبرنا علي بن المحسن التنوخي ، عن أبيه قال : حدثني أبي قال : كان سبب اتصال يوسف بالرشيد أنه قدم بغداد بعد موت أبي حنيفة ، فحنث بعض القواد في يمين ، وطلب فقيها يستفتيه فيها ، فجيء بأبي يوسف فأفتاه أنه لم يحنث ، فوهب له دنانير ، وأخذ له دارا بالقرب منه ، واتصل به ، فدخل القائد يوما إلى الرشيد فوجده مغموما ، فسأله عن سبب غمه ، فقال : شيء من أمر الدين قد أحزنني فاطلب لي فقيها أستفتيه فجاءه بأبي يوسف . قال أبو يوسف : فلما دخلت إلى ممر بين الدور رأيت فتى حسنا عليه أثر الملك ، وهو في حجرة محبوس ، فأومأ إلي بإصبعه مستغيثا ، فلم أفهم عنه إرادته ، فأدخلت إلى الرشيد ، فلما مثلت بين يديه سلمت ووقفت ، فقال لي : ما اسمك ؟ قلت : يعقوب ، أصلح الله أمير المؤمنين . قال : ما تقول [ ص: 74 ] في إمام شاهد رجلا يزني ، هل يحده ؟ قلت : لا يجب ذلك . فحين قلتها سجد الرشيد فوقع لي أنه قد رأى بعض أهله على ذلك ، وأن الذي أشار إلي بالاستغاثة هو الزاني . ثم قال الرشيد : ومن أين قلت هذا ؟ قلت : من قول النبي صلى الله عليه وسلم : "ادرءوا الحدود بالشبهات " وهذه شبهة يسقط الحد معها . فقال : وأي شبهة مع المعاينة ؟ ! قلت : ليس توجب المعاينة لذلك أكثر من العلم بما جرى ، والحدود لا تكون بالعلم ، وليس لأحد أخذ حقه بعلمه . فسجد مرة أخرى وأمر لي بمال جزيل ، وأن ألزم الدار ، فما خرجت حتى جاءتني هدية الفتى ، وهدية أمه ، وأسبابه ، فصار ذلك أصلا للنعمة ، ولزمت الدار ، فكان هذا الخادم يستفتيني وهذا يشاورني وصلاتهم تصل إلي ، ثم استدعاني الرشيد واستفتاني في خواص أمره ، فلم تزل حالي تقوى حتى قلدني قضاء القضاة .

قال لي أبي : بلغني أن أبا يوسف لما مات خلف مائتي سراويل [من أصناف السراويلات وكل ] بتكة أرمني تساوي دينارا .

وبلغ من محله عند الرشيد أنه طلبه يوما فجاء وعليه بردة فقال [ الرشيد ] :


جاءت به معتجرا ببرده سفواء ترضى بنسيج وحده



أخبرنا أبو منصور القزاز قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا محمد بن القاسم الأزرق قال : حدثنا محمد بن الحسن المقرئ أن محمد بن عبد الرحمن الشامي أخبرهم قال : أخبرنا ابن الجعد قال : سمعت أبا يوسف يقول : العلم شيء لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك ، فأنت إذا أعطيته كلك كان من إعطائه البعض على عشر .

[ ص: 75 ] قال مؤلف الكتاب : كان أبو حنيفة يشهد لأبي يوسف أنه أعلم الناس .

وقال المزني : أبو يوسف أتبعهم للحديث .

أخبرنا أبو منصور القزاز قال : أخبرنا [ أبو بكر بن ثابت ] الخطيب ، أخبرنا الحسين بن محمد المعدل قال : أخبرنا عبد الله بن الأسدي قال : حدثنا أبو بكر الدامغاني الفقيه قال : حدثنا أبو جعفر الطحاوي قال : حدثنا ابن أبي عمران قال : حدثنا بشر بن الوليد قال : سمعت أبا يوسف يقول : سألني الأعمش عن مسألة فأجبته فيها ، فقال [لي ] : من أين قلت هذا ؟ قلت : لحديثك الذي حدثتناه أنت . ثم ذكرت الحديث ، فقال [لي ] : يا يعقوب ، إني لأحفظ هذا الحديث قبل أن يخرج أبواك ، فما عرفت تأويله حتى الآن .

وقال أبو زرعة الرازي : كان محمد بن الحسن جهميا ، وكان أبو يوسف سليما من التجهم .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال : أخبرنا الحسن بن أبي طالب قال : حدثنا علي بن عمر بن محمد التمار قال : حدثنا مكرم بن أحمد القاضي قال : حدثنا أحمد بن عطية قال : سمعت بشارا الخفاف قال : سمعت أبا يوسف يقول : من قال القرآن مخلوق فحرام كلامه وفرض مباينته .

قال ابن المديني : كان أبو يوسف صدوقا . وقال يحيى : هو ثقة .

أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد قال : ] أخبرنا [ أحمد بن علي بن ثابت ] [ ص: 76 ] الخطيب قال : أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي قال : حدثنا محمد بن جعفر التميمي قال : أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد قال : أخبرنا وكيع قال : أخبرني إبراهيم بن أبي عثمان ، عن يحيى بن عبد الصمد قال : خوصم موسى أمير المؤمنين إلى أبي يوسف في بستانه فكان الحكم في الظاهر لأمير المؤمنين ، وكان الأمر على خلاف ذلك . فقال أمير المؤمنين لأبي يوسف : ما صنعت في الأمر الذي نتنازع إليك فيه ؟ قال : خصم أمير المؤمنين يسألني أن أحلف أمير المؤمنين أن شهوده شهدوا على حق . فقال له موسى : وترى ذلك ؟ قال : [قد ] كان ابن أبي ليلى يراه . قال : فأردد البستان عليه ، إنما احتال أبو يوسف .

وروى الحسن بن أبي مالك قال : سمعت أبا يوسف يقول : وليت هذا الحكم ، وانغمست فيه ، وليس في قلبي منه شيء ، وأسأل الله أن لا يسألني عن جور ولا ميل مني إلى أحد إلا يوما واحدا ، فإنه يقع في قلبي منه شيء . قالوا : وما هو ؟ قال : جاءني رجل فقال : لي بستان قد اغتصبني إياه أمير المؤمنين . فقلت : في يد من هو الآن ؟ فقال : في يد أمير المؤمنين . قلت : ومن يقوم بعمارته ومصلحته ؟ قال : أمير المؤمنين . فأخذت قصته ودخلت ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، إن لك خصما بالباب [قد ] ادعى كيت وكيت . فقال : هذا البستان لي ، اشتراه [لي ] المهدي . فقلت : يا أمير المؤمنين ، إن رأيت أن تدعو خصمك فأسمع منكما . قال : فدعي به ، فأدخل فادعى ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، ما تقول فيما ادعى ؟ قال : البستان لي وفي يدي ، اشتراه لي المهدي . قلت : يا رجل [قد سمعت ] فما تشاء . قال : خذ لي يمينه . قلت : أيحلف أمير المؤمنين ؟ قال : لا . قلت : يا أمير المؤمنين ، أعرض عليك اليمين ثلاثا ، فإن حلفت وإلا حكمت عليك . فعرضت عليه اليمين ثلاثا ، فأبى أن يحلف ، [ ص: 77 ] فقلت : يا أمير المؤمنين ، قد حكمت عليك بهذا البستان ، فإن رأيت أن تأمر بتسليمه إليه . قال : لا أسلم . قلت : يا رجل ، تعود في مجلس غير هذا فقال : افعل لي ما يجب أن تفعل . قلت : يا أمير المؤمنين ، بالحبس يعرض . فأمر به فأخرج . فقال الفضل بن الربيع : والله ما رأيت مجلسا قط إلا وهذا أحسن منه . فقلت : يا أمير المؤمنين ، إن رأيت أن يتم حسن هذا المجلس برد هذا البستان . قيل له : فأي شيء في قلبك ؟ قال : جعلت أحتال في صرف الخصومة والقضية عن أمير المؤمنين ، ولم أسأله أن يقعد مع خصمه أو يأذن لخصمه أن يقعد معه على السرير .

أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي ] الخطيب قال : أخبرنا أحمد بن عمر بن روح النهرواني قال : أخبرنا المعافى بن زكريا قال : حدثنا محمد بن أبي الأزهر قال : حدثنا حماد بن إسحاق الموصلي قال : حدثني أبي قال : حدثني بشر بن الوليد وسألته : من أين جاء ؟ قال : كنت عند أبي يوسف القاضي وكنا في حديث ظريف ، فقلت له : حدثني به ، قال : قال لي يعقوب القاضي : بينا أنا البارحة قد آويت إلى فراشي ، فإذا داق يدق الباب دقا شديدا ، فأخذت علي إزاري وخرجت وإذا هو هرثمة بن أعين ، فسلمت عليه فقال : أجب أمير المؤمنين . فقلت : يا أبا حاتم ، لي بك حرمة ، وهذا وقت كما ترى ، فإن أمكنك أن تدفع ذلك إلى الغد . قال : ما لي إلى ذلك سبيل . قلت : وكيف كان السبب ؟ قال : خرج إلي مسرور الخادم فأمر أن آتي بك أمير المؤمنين . فقلت : قد أذن لي أن أصب علي ماء وأتحنط ، فإن كان أمر من الأمور كنت قد أحكمت شأني ، وإن رزق الله العافية فلن يضر . فأذن لي فدخلت ، فلبست ثيابا جددا ، وتطيبت بما أمكن من الطيب ، ثم خرجنا ، فمضينا [حتى أتينا ] إلى دار الرشيد ، فإذا مسرور ، فقال له هرثمة : قد جئت به . فقلت [ ص: 78 ] لمسرور : يا أبا هاشم ، خدمتي وحرمتي ، وهذا وقت ضيق فتدري لم طلبني أمير المؤمنين ؟ قال : لا . قلت : فمن عنده ؟ قال : عيسى بن جعفر . قلت : ومن ؟ قال : ما عنده ثالث . فقال : مر . فإذا صرت في الصحن ، فإنه في الرواق ، فحرك رجلك [في الأرض ] ، فإنه سيسألك ، فقل : أنا . فجئت ففعلت ، فقال : من هذا ؟ قلت : يعقوب قال : ادخل . فدخلت ، فإذا هو جالس وعن يمينه عيسى بن جعفر ، فسلمت فرد علي السلام ، وقال : أظننا روعناك . قلت : أي والله ، وكذلك من خلفي . قال : اجلس . فجلست حتى سكن روعي ، ثم التفت إلي فقال : يا يعقوب ، تدري لم دعوتك ؟ قلت : لا . قال : دعوتك لأشهدك على هذا أن عنده جارية سألته أن يهبها لي فامتنع ، وسألته أن يبيعنيها فأبى ، ووالله لئن لم يفعل لأقتلنه . قال : فالتفت إلى عيسى فقلت له : وما بلغ الله بجارية تمنعها أمير المؤمنين وتنزل نفسك هذه المنزلة ؟ فقال لي : عجلت في القول قبل أن تعرف ما عندي . قلت : وما في هذا من الجواب ؟ قال : إن علي يمينا بالطلاق والعتاق وصدقة ما أملك أن لا أبيع هذه الجارية ولا أهبها . فالتفت إلي الرشيد فقال : هل له في ذلك من مخرج ؟ قلت : نعم . قال : وما هو ؟ قلت : يهب لك النصف ويبيعك النصف . فيكون لم يبع ولم يهب . قال : ويجوز ذلك ؟ قلت : نعم . قال : فأشهدك أني قد وهبت له نصفها وبعت له نصفها الباقي بمائة ألف دينار ، فقال : [علي ] بالجارية . فأتى بالجارية وبالمال ، فقال : خذها يا أمير المؤمنين ، بارك الله لك فيها . قال : يا يعقوب ، بقيت واحدة . قلت : وما هي ؟ قال : هي مملوكة ، ولا بد أن تستبرأ ، ووالله لئن لم أبت معها ليلتي إني لأظن أن نفسي ستخرج . قلت : يا أمير المؤمنين ، تعتقها وتتزوجها ، فإن الحرة لا تستبرأ . قال : فإني قد أعتقتها فمن يزوجنيها ؟ قلت : [ ص: 79 ] أنا فدعا بمسرور وحسين فخطبت وحمدت الله ، ثم زوجته على عشرين ألف دينار ، ودعا بالمال فدفعه إليها ، ثم قال لي يا يعقوب ، انصرف . ورفع رأسه إلى مسرور وقال : يا مسرور [قال : لبيك أمير المؤمنين . قال : ] احمل إلى يعقوب مائتي ألف درهم ، وعشرين تختا ثيابا . فحمل ذلك معي .

فقال بشر بن الوليد : فالتفت إلي يعقوب فقال : هل رأيت بأسا فيما فعلت ؟ قلت : لا . قال : فخذ منها حقك . قلت : وما حقي ؟ قال : العشر . قال : فشكرته ودعوت له وذهبت لأقوم ، فإذا بعجوز قد دخلت فقالت : يا أبا يوسف ، ابنتك تقرئك السلام وتقول لك : والله ما وصل إلي في ليلتي هذه من أمير المؤمنين إلا المهر الذي عرفته ، وقد حملت إليك النصف منه ، وخلفت الباقي لما أحتاج إليه . فقال : رديه ، فوالله لا قبلته ، أخرجتها من الرق وزوجتها من أمير المؤمنين وترضى لي بهذا ؟ ! ! فلم نزل نشفع إليه أنا وعمومتي حتى قبل ، وأمر لي منه بألف دينار .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي قال : أخبرني محمد بن الحسين القطان قال : أخبرنا محمد بن الحسن بن زياد النقاش : أن محمد بن علي الصايغ أخبرهم قال : أخبرني يحيى بن معين قال : كنت عند أبي يوسف القاضي وعنده جماعة من أصحاب الحديث وغيرهم ، فوافته هدية من أم جعفر احتوت على تخوت دبيقي ، ومصمت ، وطيب ، وتماثيل ند ، وغير ذلك ، فذاكرني رجل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : "من أتته هدية وعنده قوم جلوس فهم شركاؤه فيها " فسمعه أبو يوسف فقال : أبي تعرض ؟ ذلك إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم والهدايا يومئذ الأقط والتمر والزبيب ، ولم تكن الهدايا ما ترون يا غلام ، شل إلى الخزائن .

[ ص: 80 ] أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي قال : أخبرني الخلال قال : أخبرنا علي بن عمرو الحريري : أن علي بن محمد النخعي حدثهم قال : أخبرنا إبراهيم بن إسحاق ، عن بشر بن غياث قال : سمعت أبا يوسف يقول : صحبت أبا حنيفة سبع عشرة سنة ، ثم انصبت علي الدنيا سبع عشرة سنة ، فما أظن أجلي إلا قد اقترب [قال : ] فما مضت شهور حتى مات .

قال النخعي : وحدثني أبو عمرو القزويني قال : حدثنا القاسم بن الحكم العربي قال : سمعت أبا يوسف يقول عند موته : يا ليتني مت على ما كنت عليه من الفقر ، وإني لم أدخل في القضاء ، يا ليتني على أني ما تعمدت بحمد الله ونعمته جورا ولا حابيت خصما على خصم من سلطان أو سوقة .

توفي أبو يوسف رحمه الله في ربيع الأول من هذه السنة . وهو ابن تسع وستين سنة ، وأقام في القضاء ست عشرة سنة .

989 - يعقوب بن داود بن طهمان ، أبو عبد الله .

مولى عبد الله بن حازم السلمي ، استوزره المهدي ، وقرب من قلبه ، وغلب على أمره ، ثم إنه أمره بقتل [بعض ] العلويين فقال : قد فعلت . ولم يفعل على ما حكيناه في سنة ست وستين ، فسجنه إلى أن أخرجه الرشيد .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا علي بن محمد المعدل قال : أخبرنا أبو علي الحسين بن صفوان قال : حدثنا أبو [ ص: 81 ] بكر بن أبي الدنيا قال : حدثني خالد بن يزيد الأزدي قال : حدثني عبد الله بن يعقوب بن داود قال : قال أبي : حبسني المهدي في بئر وبنيت علي قبة ، فمكثت فيها خمس عشرة سنة حتى مضى صدر من خلافة الرشيد ، وكان يدلى إلي كل يوم رغيف وكوز من ماء ، وأوذن بأوقات الصلوات ، فلما كان في رأس ثلاث عشرة حجة أتاني آت في منامي فقال :


حنى على يوسف رب فأخرجه     من قعر جب وبيت حوله غمم



قال : فحمدت الله ، وقلت : أتى الفرج . قال : فمكثت حولا لا أرى شيئا ، فلما كان رأس الحول أتاني ذلك الآتي فقال [لي ] :


عسى الكرب الذي أمسيت فيه     يكون وراءه فرج قريب
فيأمن خائف ويفك عان     ويأتي أهله النائي الغريب



فلما أصبحت نوديت ، فظننت أني أوذن بالصلاة ، فدلي لي حبل أسود ، وقيل لي : اشدد به وسطك ففعلت [فأخرجوني ] فلما قابلت الضوء عشي بصري ، فانطلقوا بي فأدخلوني على الرشيد ، فقيل لي : سلم على أمير المؤمنين . فقلت : السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا أمير المؤمنين المهدي . فقال : لست به . قلت : السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته الهادي . قال : ولست به . قلت : السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته . قال : الرشيد . فقلت : الرشيد . فقال : يا يعقوب ، إنه والله ما شفع فيك إلي أحد غير أني حملت الليلة صبية لي على عنقي ، [ ص: 82 ] فذكرت حملك إياي على عنقك ، فرثيت لك من المحل الذي كنت فيه ، فأفرجت عنك . قال : فأكرمني وقرب مجلسي .

ثم قال : إن يحيى بن خالد تنكر لي كأنه خاف أن أغلبه على أمير المؤمنين دونه ، فخفته فاستأذنت للحج ، فأذن لي .

فلم يزل مقيما بمكة حتى مات بها في هذه السنة رحمه الله .

990 - يزيد بن زريع بن معاوية العيشي .

من بني عايش ، وهم من ولد بكر بن [وائل ] . كان عالما صدوقا ثبتا . وكان أبوه والي البصرة ، فلم يأخذ من ميراثه شيئا ، وكان يعمل الخوص .

أخبرنا ابن ناصر قال : أخبرنا عبد القادر بن محمد قال : أخبرنا أبو بكر الخياط قال : حدثنا ابن أبي الفوارس قال : حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق قال : حدثنا أبو بكر المروزي قال : سمعت عبد الوهاب يقول : سمعت أبا سليمان الأشقر يقول : تنزه يزيد بن زريع عن خمسمائة ألف من ميراث أبيه فلم يأخذه .

توفي يزيد بالبصرة في هذه السنة . وقيل : في سنة سبع وسبعين ، وكان ثقة صدوقا ثبتا في الحديث .

[ ص: 83 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية