الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

1012 - أصبغ بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم ، أبو زيان

حكى عنه عون بن عبد الله قال : قال لي أصبغ : سمعت من أبيك كلاما نفعني الله به : لئن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة .

توفي أصبغ في رمضان هذه السنة .

1013 - حسان بن إبراهيم ، أبو هشام العنزي الكوفي ، قاضي كرمان .

ولد سنة ست وثمانين ، رأى محارب بن دثار ، وسمع هشام بن عروة ، والثوري ، وروى عنه عفان بن مسلم ، ووثقه يحيى . وتوفي في هذه السنة ، وله مائة سنة .

1014 - سلم الخاسر الشاعر هو : سلم بن عمرو بن حماد بن عطاء .

يقال إنه مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه . ويقال : بل مولى المهدي .

واختلف لم سمي الخاسر ، فقال اليزيدي : ورث من أبيه مائة ألف درهم [وأصاب من مدائح الملوك مائة ألف درهم ] فأنفقها كلها على الأدب [وأهله ] .

وحكى الأصفهاني : أنه ورث من أبيه مصحفا فباعه واشترى بثمنه طنبورا .

وذكر الصولي أن الرشيد قال له : لم سميت الخاسر ؟ فقال : بعت وأنا صبي مصحفا واشتريت بثمنه شعر امرئ القيس ، وقد رزقني الله حفظ القرآن بعد ذلك ، فقال له : فأنت الآن الرابح .

[ ص: 121 ] قال : وقيل إنهم رأوه يوما في سوق الدفاتر وقد باع مصحفا بشعر الأعشى ، فقال له الناس : أنت والله الخاسر . فبقيت عليه .

قال : وكان مقتدرا على الشعر بلغ من اقتداره أنه اخترع شعرا على حرف واحد لم يسبق إليه ، وأقل شعر سمع للعرب على حرفين ، نحو قول دريد بن الصمة :


يا ليتني فيها جذع أخب فيها وأضع



فقال سلم [الخاسر ] لموسى الهادي شعرا على حرف واحد منه :


موسى المطر     غيث بكر
ثم انهمر     كم اعتسر
ثم اقتسر     وكم قدر
ثم غفر     عدل السير
باقي الأثر     خير البشر
فرع مضر     بدر بدر
لمن نظر     هو الوزر
لمن حضر     والمفتخر
لمن غبر     والمجتبر
لمن عثر



وذكر الخطيب أنه كان على طريقة غير مرضية من المجون والخلاعة والفسق ، ثم تعرى وترك ذلك ، فرقت حاله ، فاغتم لذلك ، ورجع إلى شر مما كان عليه أولا ، فباع مصحفا كان له واشترى بثمنه دفترا فيه شعر ، فشاع خبره في الناس فسموه : سلما الخاسر لذلك .

وكان من الشعراء المجيدين ، وكان من تلامذة بشار ، وصار يقول أرق من شعره ، فغضب بشار ، وكان بشار قد قال :


من راقب الناس لم يظفر بحاجته     وفاز بالطيبات الفاتك اللهج



[ ص: 122 ] فقال هو :

من راقب الناس مات غما     وفاز باللذة الجسور



فغضب بشار وقال : ذهب والله بيتي ، تأخذ المعاني التي قد تعبت فيها فتكسوها ألفاظا أخف من ألفاظي ! ؟ لا أرضى عنك . فما زالوا يسألونه حتى رضي عنه .

أخبرنا [ أبو منصور ] القزاز [قال ] : أخبرنا [ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت ] الخطيب [قال : ] أخبرنا الجوهري ، [قال ] : أخبرنا طلحة بن محمد بن عمر قال : قال محمد بن داود بن الجراح : حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال : حدثني أحمد بن المبارك بن خالد قال : حدثني الجواني الهاشمي قال : حدثني أبي قال : كان سلم قد كسب مالا بقصيدته التي مدح بها المهدي ، التي أولها :


حضر الرحيل وشدت الأحداج     وحدا بهن مشمر مزعاج
شربت بمكة من ذرى بطحائها     ماء النبوة ليس فيه مزاج



وكان المهدي أعطى [ هارون ] بن أبي حفصة مائة ألف درهم ، التي أولها :


طرقتك زائرة فحي خيالها



فأراد أن ينقص سلما عن هذه الجائزة ، فحلف سلم أن لا يأخذ إلا مائة ألف درهم ، وألف درهم ، وقال : تطرح القصيدتان إلى أهل العلم حتى يخيروا بتقديم قصيدتي ، فأنفذ له المهدي مائة ألف درهم ، وألف درهم ، فلما بلغ إلى زمان الرشيد قال قصيدته التي أولها :


قل للمنازل بالكثيب الأعفر     أسقيت غادية السحاب الممطر



[ ص: 123 ]

قد بايع الثقلان مهدي الهدى     لمحمد ابن زبيدة ابنة جعفر



فحشت زبيدة فاه درا ، فباعه بعشرين ألف دينار ، وهذا حين بايع الرشيد لمحمد ابن زبيدة .

ومات سلم في أيام الرشيد وقد اجتمع عنده من المال قيمة ستة وثلاثين ألف دينار ، فأودعها أبا السمراء الغساني ، فبقيت عنده ، وأتى إبراهيم الموصلي يوم [العيد ] عند الرشيد وغناه فأطربه ، فقال : يا إبراهيم ، سل ما شئت . قال : نعم يا سيدي ، أسأل شيئا لا يرزأك ، قال : ما هو ؟ قال : مات سلم وليس له وارث ، وقد خلف ستة وثلاثين ألف دينار عند أبي السمراء الغساني ، تأمره بدفعها إلي . فبعث إليه أن يدفعها إليه فدفعها . وكان الجماز بعد ذلك قدم هو وأبوه يطلبان ميراث سلم . وأنهما من قرابته .

وفي رواية : أن تركته كانت خمسين ألف دينار ، وذكروا أنه لما قال أبو العتاهية :


تعالى الله يا سلم بن عمر     وذل الحرص أعناق الرجال



غضب سلم وقال : يزعم أني حريص ، فقال يرد عليه :


ما أقبح التزهيد من واعظ     يزهد الناس ولا يزهد
لو كان في تزهيده صادقا     أضحى وأمسى بيته المسجد
ورفض الدنيا فلم يلقها     ولم يك يسعى ويسترفد
[يخاف أن تنفذ أرزاقه     والرزق عند الله لا ينفد ]
والرزق مقسوم على ما ترى     يناله الأبيض والأسود



[ ص: 124 ]

كلا يوفى رزقه كاملا     من كف عن جهد ومن يجهد



قال أبو هفان : وصل إلى سلم من البرامكة خاصة عشرون ألف دينار ، ومن الرشيد مثلها .

1015 - شقران بن علي الإفريقي ، صاحب الفرائض .

كان رجلا صالحا ، بعبادته يضرب المثل . توفي في هذه السنة .

1016 - عمرو بن زرارة بن واقد ، أبو محمد ، الكلابي النيسابوري .

سمع معاذ بن معاذ ، وسفيان بن عيينة ، وهشيم بن بشير ، وابن علية ، وغيرهم . وقرأ القرآن على علي بن حمزة الكسائي . روى عنه : البخاري ، ومسلم ، وغيرهما . وكان فوق الثقة .

1017 - العباس بن محمد بن علي بن عبد الله [بن ] العباس .

كان من رجالات بني هاشم ، وولي إمرة الجزيرة أيام الرشيد ، وكان أجود الناس رأيا ، وكان الرشيد يقول : عمي العباس . يذكرنا أسلافنا .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي ، قال : أخبرنا الأزهري ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن عرفة قال : توفي العباس سنة خمس وثمانين ومائة ، ولي العباس بن محمد - الذي تنسب إليه العباسية - الجزيرة ، وصار إلى الرقة ، وأمر الرشيد ففرش له في قصر الإمارة ، واتخذت له فيه الآلات وشحن بالرقيق ، وحمل إليه خمسة آلاف ألف درهم ، وفي سنة ست وثمانين ومائة توفي العباس ببغداد في رجب ، وصلى عليه الأمين ، ودفن في العباسية وسنه خمس وستون سنة وستة أشهر ، وستة عشر يوما .

[ ص: 125 ] أخبرنا عبد الرحمن ، أخبرنا أحمد بن علي قال : أخبرنا البيهقي قال : حدثنا سهل بن أحمد الديباجي قال : حدثنا محمد بن أحمد بن الفضل قال : حدثنا أبو سلمة هشام بن عمرو القرشي قال : قال رجل للعباس بن محمد : إني أتيتك لحاجة صغيرة . فقال له : اطلب لها رجلا صغيرا .

1018 - يقطين بن موسى .

كان أحد الدعاة إلى دولة بني العباس ، وكان حازما داهية ، ولما حبس مروان بن محمد إبراهيم الإمام تحيرت الشيعة فلم تدر من الإمام بعده ، فقال لهم يقطين : أنا أعلمكم . فمضى إلى الشام فوقف لمروان ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا رجل تاجر ، قدمت بمتاع ، فأدخلت إلى هيئة فابتاعه مني ، ولم يزل يسوفني بثمنه ، حتى جاءت رسلك فحبسته ، فإن رأيت أن تجمع بيني وبينه وتأخذ لي بحقي . فقال مروان لبعض خدمه : يا غلام ، امض معه إلى إبراهيم وقل له أخرج لهذا من حقه . فمضى معه إليه ، فلما رآه قال : يا عدو الله ، إلى متى تمطلني ومن أمرت بدفع مالي إلي ؟ . فقال : إلى ابن الحارثية . فعاد إلى الشيعة فأعلمهم أن أبا العباس هو الإمام بعده .

[ ص: 126 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية