ثم دخلت سنة أربع وخمسين وأربعمائة 
فمن الحوادث فيها: 
أنه خرج في يوم الخميس غرة صفر أبو الغنائم بن المحلبان  إلى باب السلطان  طغرلبك  من الديوان العزيز بالإجابة إلى الوصلة .  وكان السبب أن الكتب وردت من السلطان إلى بغداد  وواسط  والبصرة  بإدخال اليد في الأقطاع المفردة لوكلاء الدار العزيزة ، والحواشي ، والأصحاب ، وإلى أصحاب الأطراف وغيرهم ، بتعديد ما فعل من الجميل دفعة بعد دفعة ، وما كان من المقابلة في الرد عما وقعت الرغبة فيه على أقبح حال ، وخرج الكلام في ذلك إلى ما ينافي قانون الطاعة ومقتضى الخدمة ، وقطعت المكاتبة إلى الديوان ، ووصل الكتاب إلى قاضي القضاة عنوانه: "إلى قاضي القضاة من شاهنشاه المعظم ملك المشرق والمغرب ، محيي الإسلام ، خليفة الإمام ، يمين خليفة الله أمير المؤمنين" فكان في الكتاب أن قاضي القضاة يعلم أن تلك الوصلة لم تكن جفوة قصدناها حتى يستوجب قبح المكافأة على جميع ما قدمناه من المؤاثرات ، وإن كنا لا نؤهل للإجابة ، ولا نحض بالمساءة ، وليس يخفى على العوام ما قدمناه من الاهتمام ، وأوجبناه من الإنعام ، وأظهرناه من التذلل والخضوع الذي ما كان لنا به عهد ، ظننا بأننا نتقرب إلى الله تعالى بذلك ، فصارت كلها [وبالا علينا] ولكنا واثقون بصنع الله تعالى أنه لا يضيع جميل أفعالنا ، ونرى سوء المغبة لمن يضمر لنا سوءا فينا ،  [ ص: 73 ] واقتضى الرأي استرداد جميع ما كان للديوان الخاص ، وقصر أيدي وكلاء تلك الجهة عنها؛ ليقصروا على ما كان لهم يوم وردت راياتنا العراق ، فيجب أن نشير عليهم بالتخلية عنها ، وترك المراجعة فيها فإنها لا تفيد غير الجدال والنزاع ، وقد خاطبنا الشيخ الزكي أبا منصور بن يوسف  بكتاب أشبعنا فيه القول ، فيجب أن يتأمله ويعمل به؛ لئلا يتكرر الكلام ، والسلام . وكتب في منتصف شعبان سنة ثلاث وخمسين . 
ثم ما زالت المشورة على الخليفة بما في هذا الأمر قبل أن لا يتلافى ، فعين على أبي الغنائم بن المحلبان  في الخروج إلى السلطان ، واستسلال ما حصل في نفسه ، فقال: متى لم يقترن بخروجي إليه إجابته إلى غرضه من الوصلة كان قصدي زائدا في غيظه ، وتوقف عن الخروج ، ودافع ، واتسع الخرق بما قصد به الخليفة من الأذى ، فأجاب حينئذ مكرها بعد أن يمنع ثلاث سنين ، وكتب وكالة لعميد الملك في العقد ، وأذن في الوصول لقاضي القضاة  أبي عبد الله الدامغاني ،  وأبي منصور بن يوسف  حتى شهدا بما سمعاه من الإجابة . 
وخرج أبو الغنائم ،  وورد بعد خروجه بخمسة أيام ركابية بكتب تتضمن رد الأقطاع إلى وكلاء الدار العزيزة ، وكثر الاعتذار مما جره سوء المقدار من تلك الأسباب المكروهة ، والتقدم بإنفاذ أبي نصر بن صاعد  رسولا بخدمة وهدية ومشافهة بالتنصل مما جرى ، وشاع هذا فطابت النفوس ، ووقعت البشائر في الدار العزيزة ، وخلع منها على الركابية ، وضربت الدبادب والبوقات بين أيديهم ، وطيف بهم في البلد ، وأعيد الإقطاع إلى أيدي الوكلاء . 
وورد كتاب من عميد الملك إلى أبي منصور بن يوسف  يخبره بأن تلك اللوثة زالت من غير مذكر ، بل برأي رآه السلطان حسما لقالة تظهر ، أو عدو يشمت ، وكوتب أبو الغنائم بن المحلبان  بالتوقف حيث وصل من الطريق إلى أن يصل أبو نصر بن صاعد  ويصدر في صحبته على ما يقتضيه جوابه ، ورسم له طي ذلك وستره ، فوصله الأمر  [ ص: 74 ] وهو بشهرزور ،  فأقام متعللا بالأمطار والثلوج ، وجرح ساقه ، ثم أظهر أن مادة قد نزلت فمنعته من الركوب . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					