مسألة
nindex.php?page=treesubj&link=19648التوكل هو اعتماد القلب على الله تعالى فيما يجلبه من خير ، أو يدفعه من ضر .
[ ص: 248 ] واختلف العلماء
nindex.php?page=treesubj&link=19652هل من شرطه ترك الأسباب ، فنحا إليه
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي في إحياء علوم الدين ، وغيره ، وقال المحققون : لا يشترط ذلك ، بل الأحسن ملابسة الأسباب للمنقول ، والمعقول .
أما المنقول ، فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=60وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ) ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=6إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ) ، وأمر تعالى بملابسة أسباب الاحتياط ، والحذر في غير موضع من كتابه العزيز ، ورسوله - صلى الله عليه وسلم - سيد المتوكلين ، وكان يطوف على القبائل ، ويقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350004من يعصمني حتى أبلغ رسالات ربي . وكان له جماعة يحرسونه من العدو حتى نزل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=67والله يعصمك من الناس ) ودخل
مكة مظاهرا بين درعين في كتيبته الخضراء من الحديد ، وكان في آخر عمره ، وأكمل أحواله يدخر قوت عياله سنة .
وأما المعقول فهو : أن الملك العظيم إذا كانت له عوائد في أيام لا يحسن إلا فيها ، أو أبواب لا يخرج إلا منها ، أو أمكنة لا يوقع إلا فيها ، فالأدب معه أن لا يطلب منه فعل إلا حيث عوده ، وأن لا يخالف عوائده بل يجري عليها ، والله سبحانه وتعالى ملك الملوك وأعظم العظماء بل أعظم من ذلك ، رتب ملكه على عوائد أرادها ، وأسباب قدرها وربط بها آثار قدرته ، ولو شاء لم يربطها ، فجعل الري بالشرب ، والشبع بالأكل ، والاحتراق بالنار ، والحياة بالتنفس في الهواء ، فمن رام من الله تعالى تحصيل هذه الآثار بدون أسبابها فقد أساء الأدب ، بل يلتمس فضل الله تعالى في عوائده .
وقد انقسمت الخلائق في هذا المقام ثلاثة أقسام ، قسم عاملوا الله تعالى
[ ص: 249 ] باعتماد قلوبهم على قدرته مع إهمال الأسباب ، والعوائد ، فلجوا في البحار في زمن الهول ، وسلكوا القفار العظيمة المهلكة بغير زاد ، إلى غير ذلك من جنس هذه التصرفات ، فهؤلاء فاتهم الأدب ، وهم جماعة من العباد ، وقسم لاحظوا الأسباب ، وأعرضوا عن التوكل ، وهم عامة الخلق ، وهم شر الأقسام ، وربما وصلوا بذلك للكفر ، وقسم اعتمدت قلوبهم على قدرة الله تعالى ، وطلبوا فضله في عوائده ملاحظين في تلك الأسباب مسببها وميسرها ، فجمعوا بين التوكل والأدب ، وهؤلاء هم النبيون ، والصديقون ، وخاصة عباد الله العلماء بالله والعارفون بمعاملته ، جعلنا الله منهم بمنه وكرمه .
مَسْأَلَةٌ
nindex.php?page=treesubj&link=19648التَّوَكُّلُ هُوَ اعْتِمَادُ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا يَجْلِبُهُ مِنْ خَيْرٍ ، أَوْ يَدْفَعُهُ مِنْ ضُرٍّ .
[ ص: 248 ] وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ
nindex.php?page=treesubj&link=19652هَلْ مِنْ شَرْطِهِ تَرْكُ الْأَسْبَابِ ، فَنَحَا إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيُّ فِي إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ ، وَغَيْرِهِ ، وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ : لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ ، بَلِ الْأَحْسَنُ مُلَابَسَةُ الْأَسْبَابِ لِلْمَنْقُولِ ، وَالْمَعْقُولِ .
أَمَّا الْمَنْقُولُ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=60وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ) ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=6إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ) ، وَأَمَرَ تَعَالَى بِمُلَابَسَةِ أَسْبَابِ الِاحْتِيَاطِ ، وَالْحَذَرِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ ، وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدُ الْمُتَوَكِّلِينَ ، وَكَانَ يَطُوفُ عَلَى الْقَبَائِلِ ، وَيَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350004مَنْ يَعْصِمُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي . وَكَانَ لَهُ جَمَاعَةٌ يَحْرُسُونَهُ مِنَ الْعَدُوِّ حَتَّى نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=67وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) وَدَخَلَ
مَكَّةَ مُظَاهِرًا بَيْنَ دِرْعَيْنِ فِي كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ مِنَ الْحَدِيدِ ، وَكَانَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ ، وَأَكْمَلِ أَحْوَالِهِ يَدَّخِرُ قُوتَ عِيَالِهِ سَنَةً .
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ : أَنَّ الْمَلِكَ الْعَظِيمَ إِذَا كَانَتْ لَهُ عَوَائِدُ فِي أَيَّامٍ لَا يُحْسِنُ إِلَّا فِيهَا ، أَوْ أَبْوَابٌ لَا يَخْرُجُ إِلَّا مِنْهَا ، أَوْ أَمْكِنَةٌ لَا يُوَقِّعُ إِلَّا فِيهَا ، فَالْأَدَبُ مَعَهُ أَنْ لَا يُطْلَبَ مِنْهُ فِعْلٌ إِلَّا حَيْثُ عَوَّدَهُ ، وَأَنْ لَا يُخَالِفَ عَوَائِدَهُ بَلْ يَجْرِي عَلَيْهَا ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَلِكُ الْمُلُوكِ وَأَعْظَمُ الْعُظَمَاءِ بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ ، رَتَّبَ مُلْكَهُ عَلَى عَوَائِدَ أَرَادَهَا ، وَأَسْبَابٍ قَدَّرَهَا وَرَبَطَ بِهَا آثَارَ قُدْرَتِهِ ، وَلَوْ شَاءَ لَمْ يَرْبِطْهَا ، فَجَعَلَ الرِّيَّ بِالشُّرْبِ ، وَالشِّبَعَ بِالْأَكْلِ ، وَالِاحْتِرَاقَ بِالنَّارِ ، وَالْحَيَاةَ بِالتَّنَفُّسِ فِي الْهَوَاءِ ، فَمَنْ رَامَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى تَحْصِيلَ هَذِهِ الْآثَارِ بِدُونِ أَسْبَابِهَا فَقَدْ أَسَاءَ الْأَدَبَ ، بَلْ يَلْتَمِسُ فَضْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِي عَوَائِدِهِ .
وَقَدِ انْقَسَمَتِ الْخَلَائِقُ فِي هَذَا الْمَقَامِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ ، قِسْمٌ عَامَلُوا اللَّهَ تَعَالَى
[ ص: 249 ] بِاعْتِمَادِ قُلُوبِهِمْ عَلَى قُدْرَتِهِ مَعَ إِهْمَالِ الْأَسْبَابِ ، وَالْعَوَائِدِ ، فَلَجُّوا فِي الْبِحَارِ فِي زَمَنِ الْهَوْلِ ، وَسَلَكُوا الْقِفَارَ الْعَظِيمَةَ الْمُهْلِكَةَ بِغَيْرِ زَادٍ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ ، فَهَؤُلَاءِ فَاتَهُمُ الْأَدَبُ ، وَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُبَّادِ ، وَقِسْمٌ لَاحَظُوا الْأَسْبَابَ ، وَأَعْرَضُوا عَنِ التَّوَكُّلِ ، وَهُمْ عَامَّةُ الْخَلْقِ ، وَهُمْ شَرُّ الْأَقْسَامِ ، وَرُبَّمَا وَصَلُوا بِذَلِكَ لِلْكُفْرِ ، وَقِسْمٌ اعْتَمَدَتْ قُلُوبُهُمْ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَطَلَبُوا فَضْلَهُ فِي عَوَائِدِهِ مُلَاحِظِينَ فِي تِلْكَ الْأَسْبَابِ مُسَبِّبَهَا وَمُيَسِّرَهَا ، فَجَمَعُوا بَيْنَ التَّوَكُّلِ وَالْأَدَبِ ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ النَّبِيُّونَ ، وَالصِّدِّيقُونَ ، وَخَاصَّةُ عِبَادِ اللَّهِ الْعُلَمَاءُ بِاللَّهِ وَالْعَارِفُونَ بِمُعَامَلَتِهِ ، جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ .