الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فوائد : اعلم أن هذه قاعدة جليلة ، ولعلها أعظم قواعد الحساب فائدة ، منها أحكام التناسب الذي بين أعداد الجبر والمقابلة من الشيء والمال والكعب وغيره على ما سيأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى ، وهي سر عظيم في الجبر والمقابلة عظيمة النفع في استخراج المجهولات في الجبر وغيره ، ويستخرج منها حساب المواريث في الانكسار على الأحياز وحساب المناسخات .

                                                                                                                وبيانه أن حساب المناسخات يرجع إلى حساب الانكسار على أحد الأحياز ، لأن النظر الثاني هو حيز من الورثة لم تنقسم عليهم سهامهم ، ولما كنا نوفق بين السهام والحيز في الفرائض وفقنا هاهنا ، ولما كنا نضرب جملة الحيز ثمت ضربنا جملة المسألة الثانية هاهنا ، وكان مقتضى القياس أن نضرب عدد الورثة في البطن الثاني هاهنا لأنهم مثل الحيز في الفرائض ، لكن المانع أنا إذا ضربنا عدد الورثة فلا بد أن يقسم بعد ذلك ، وحقيقة القسمة طلب ما في المقسوم من أمثال المقسوم عليه ، فيخرج بالقسمة أنصباء متفقة متساوية ، وورثة البطن الثاني قد يكونون [ ص: 140 ] مختلفين فامتنعت القسمة ، والحيز في الفرائض مستوون هم وأنصباؤهم ، فلو كان ورثة البطن مستوية أنصباؤهم تخيرنا بين ضربهم في أصل المسألة وبين ضرب مسألتهم وإن لم نخير في ضرب الحيز في الفرائض وضرب سهامه ضرورة اختلاف العددين ، وإنما قلنا في المناسخات من له شيء من المسألة الأولى أخذه مضروبا في المسألة الثانية لأن جميع أجزاء المسألة الأولى ضوعف بعدد أجزاء المسألة الثانية : لأن جميع أجزاء المسألة الأولى بعدده آحاد المسألة الثانية ، لأن ذلك من ضرورة الضرب فلذلك ضربنا في المسألة الثانية وقلنا من له شيء من المسألة الثانية أخذه مضروبا في سهام مورثه ولم نقل في المسألة ، لأنا ضربنا إحدى المسألتين في الأخرى فضاعفنا كل واحدة منهما بعدد آحاد الأخرى .

                                                                                                                فإذا قلنا من له شيء من المسألة الأولى أخذه مضروبا في الثانية لم يبق من الأولى إلا سهام البطن الثاني وهي سهام مورثهم ، ولم يبق شيء يضرب فيه سواه ، فلذلك ضربنا فيه وحده ، أو نقول إذا ضربنا الثانية في الأولى فقد ضاعفنا الثانية بعدد آحاد الأولى : فيكون المتحصل جملة هو البطن الأول والثاني ، فلو أعطينا أصحاب المسألة الثانية من له شيء من سهامه مضروبا في الأولى لم يبق لأصحاب الأولى شيء ، وما سبب هذا الفساد إلا أن الذي يستحقه أصحاب الثانية سهامهم لا مسألتهم ، لأن استحقاقهم تابع لمورثهم ، وإذا لم يستحقوا إلا سهامهم وهي قد ضوعفت بالضرب في مسألتهم مع جملة المسألة الأولى : ولا فرق بين ضرب سهامهم في مسألتهم وضرب مسألتهم في سهامهم ، فكأنا ضربنا مسألتهم في سهامهم لما ضربنا المسألة الأولى في الثانية ، ولذلك قلنا من له شيء من المسألة الأولى أخذه مضروبا في سهام مورثه ، ويؤكد ذلك أن الحيز من الورثة إذا انكسرت عليه سهامه فضربنا عدد رءوسه في المسألة قلنا من له شيء من الحيز أخذه مضروبا في الحيز ، فرءوس الحيز مثل المسألة الثانية في المناسخات ، ونصيب الحيز مثل سهام الميت الثاني في المناسخات ، ولما لم يعط الحيز إلا سهامه مضروبة في رءوسه الذي هو مساو لضرب رءوسه في سهامه ، كذلك لا يعطى أهل المسألة [ ص: 141 ] الثانية إلا ما يستحقونه من مسألتهم مضروبا في سهامهم ، ولم نقل من له شيء من أهل الحيز أخذه مضروبا في سهامه ، لأن مسألتهم غير معلومة إلى الآن بخلاف المناسخات .

                                                                                                                إذا تقرر أن المناسخات ترجع للانكسار على الأحياز وتبين أن الانكسار على الأحياز يرجع للقاعدة فنقول : إذا انكسرت السهام على بعض الورثة ولم يوافق ، فتضرب الرءوس في أصل المسألة وتصح منه ، لأن نسبة الواحد من الحيز إلى جملته كنسبة المسألة الأولى للثانية ، لأن المسألة الأولى ضوعفت بعدد آحاد الحيز ضرورة أنها ضربت فيه ، والضرب : المضاعفة بعدد المضروب فيه ، فعدد آحاد الحيز هو عدد أضعاف المسألة الأولى : فنسبة أحد آحاد الحيز إليه كنسبة أحد الأضعاف إليها ، لكن أحد الأضعاف هو المسألة الأولى : وجملة الأضعاف هو المسألة الثانية ، فصدق قولنا إن الواحد للحيز كنسبة المسألة الأولى للثانية .

                                                                                                                إذا تقرر هذا فنقول : المجهول المسئول عنه هو قسمة التركة بعدد الورثة بحسب سهامهم ، وهذا هو المسألة الثانية وهو الطرف الرابع ، فمقتضى القاعدة إنما تضرب الثاني في الثالث ، وهو الفريضة الأولى ، وهو جملة الحيز في المسألة الأولى وتقسم المتحصل على الأول وهو الواحد من الحيز والقسمة على الواحد فخرج جملة المقسوم ، فيخرج لنا جملة المسألة الثانية وهو المجهول المسئول عنه ، وكذلك إذا كان العمل بالوقف فقط فنقول : نسبة الواحد من الوفق إليه كنسبة المسألة الأولى إلى الثانية ، وتكمل العمل إلى آخره ، فإن كان الوفق واحدا فالضرب فيه لا يفيد شيئا ، ولما كان العمل في المناسخة على سهام البطن الثاني دون عدد رءوسهم فنقول : نسبة الواحد من آحاد مسألة المتوفى إلى جملة آحاده كنسبة المسألة الكائنة قبل موت الثاني إلى الكائنة بعده ، لأن الكائنة قبل موته ضوعفت بعدد آحاد مسألة المتوفى ، فنسبة الواحد منها إلى جملة الآحاد كنسبة الضعف الواحد من الأضعاف إلى جملة الأضعاف ضرورة استواء العددين ، لكن الضعف الواحد هو الكائنة قبل موته ، وجملة الأضعاف هي الكائنة بعد موته ، فتضرب الثاني وهو جملة آحاد مسألة المتوفى في الثالث وهي المسألة الكائنة قبل موته ، [ ص: 142 ] وكذلك فعل الفرضيون ، ثم تقسم المتحصل على الأول وهو الواحد من آحاد مسألة المتوفى والقسمة على الواحد يخرج جملة المقسوم ، وجملة المقسوم هو المتحصل من جملة الضرب وهو الواحد المجهول المسئول عنه .

                                                                                                                وكذلك إن جعلت الطرفين وسطين ، والوسطين طرفين ، وقلت نسبة المسألة الكائنة قبل موت الثاني إلى الكائنة بعده كنسبة الواحد من آحاد مسألة المتوفى إلى جملة آحاده ، فيكون المجهول هو الثاني من المقادير الأربعة ، فتضرب الأول وهو المسألة الكائنة قبل موته في الرابع وهو جملة آحاد مسألته وتقسم على الثالث وهو الواحد من آحاد مسألته فيخرج جملة المقسوم وهو المجهول ، فظهر أن الانكسار في الفرائض والمناسخات يخرج الجميع بهذه القاعدة مع ما يأتي من عمليات الجبر والمقابلة فيكون ذلك ثلاث فوائد .

                                                                                                                الفائدة الرابعة معاملات الناس والأربعة المتناسبة فيها تسمى السعر والمسعر والثمن والمثمن ، ويكون السعر والثمن من جنس ، والمسعر والمثمن من جنس ، ويكون واحد من الأربعة مجهولا فتضرب أحد الأربعة وهو الذي يوافق المجهول في الاسم ويخالفه في الجنس فيما ليس من جنسه ، ويقسم المبلغ على المقدار الباقي فالخارج المجهول .

                                                                                                                مثاله القنطار بأربعة وعشرين ، كم ثمن ستة أرطال وربع ؟ تضرب ستة وربعا في أربعة وعشرين تبلغ مائة وخمسين ، تقسمها على عدد أرطال القنطار وهو مائة يخرج واحد ونصف وهو المطلوب .

                                                                                                                فإن قيل كم بأربعة دنانير ونصف ؟ ضربت أربعة ونصفا في مائة تبلغ أربعمائة وخمسين تقسمها على أربعة وعشرين تخرج ثمانية عشر ونصف وربع وهو الجواب .

                                                                                                                القاعدة السادسة ، من المشهورات في البديهيات الأوليات أن الجزء أقل من الكل ، وفي العدديات انتقص ذلك ، فكان متى نقص الكل عن الواحد كان جزؤه أعظم منه ، أو كان الكل واحدا ساواه جزؤه ، أو زاد على الواحد نقص جزؤه [ ص: 143 ] عنه ، فإذا أردت أن تعلم جزء مقدار فاعلم نسبة الواحد منه وخذ تلك النسبة من الواحد فما كان فهو جزء ذلك المقدار .

                                                                                                                مثاله إن خرج الشيء ثلاثة فجزؤه ثلث ، وإن خرج اثنين ونصفا فجزؤه خمسان ، وإن خرج واحدا فجزؤه واحد ، وإن خرج ثلثين فجزؤه واحد ونصف ، لأن نسبة الواحد للمثلين مثلها ومثل نصفها ، فالجزء واحد ونصف .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية