الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                التاسعة ثلاثة بنين وأوصى بأن يكون الموصى له رابعا معهم ، وهذا هو معنى قوله عند الشافعي أوصى بنصيب أحدهم ، وعندنا يكون قد أوصى بالثلث لأنهم ثلاثة ، وكذلك عندنا في جميع الورثة إذا أوصى بمثل نصيبه إنما يعطى ما كان يعطاه الوارث قبل الوصية ، والشافعي يجعله وارثا آخر معهم فيحصل له الربع مثلا في وصية فيها ثلاثة بنين ، أما إذا قال يكون معهم رابعا يحصل الاتفاق على الربع ، فإذا أوصى مع ذلك لآخر بعشر ما تبقى من ماله بعد النصيب فتجعل التركة مالا بمعنى شيء لا بمعنى أنه مجذور ، وتخرج منه نصيبا يبقى مال إلا نصيبا ، يخرج من الباقي عشره لوصية العشر ، تبقى تسعة أعشار مال إلا تسعة أعشار نصيب يعدل نصيب البنين تجبره بتسعة أعشار نصيب ، وتزيد مثل ذلك على المعادل له يصير تسعة أعشار مال تعدل ثلاثة أنصباء وتسعة أعشار نصيب ، ثم تجبر المال بتسعة وتزيد على معادله مثل ذلك ، فيصير مالا يعدل أربعة أنصباء وثلثا ، ولما كان المقصود هو معرفة النصيب الواحد دون المال بسطنا الأنصباء أثلاثا والمال أيضا للتسوية ، فتصير ثلاثة تعدل ثلاثة عشر ، ثم تقلب العبارة فتجعل النصيب ثلاثة والمال ثلاثة عشر ، فيتعين النصيب الموصى به ثلاثة ، والتركة ثلاثة عشر ، فيخرج النصيب يبقى عشرة ، يخرج عشرها للوصية الثانية ، تبقى تسعة ، لكل ابن ثلاثة مثل الموصى له ، ويحتاج لتعليل القلب في [ ص: 199 ] العبارة ، لأن ظاهر أمرنا فيه التحكم فنقول : لو قسمنا ثلاثة عشر على ثلاثة خرج أربعة وثلث .

                                                                                                                ولنا قاعدة مبرهنة أن نسبة الواحد أبدا إلى الخارج بالقسمة كنسبة المقسوم عليه إلى المقسوم ، فتكون نسبة الواحد إلى الخارج هاهنا نسبة الربع وثلث الربع ، فيكون المقسوم عليه ربع المقسوم وثلث ربعه ، لكن المقسوم هاهنا أنصباء ، فيكون الواحد نصيبا ، فتكون نسبة النصيب الواحد من الأنصباء الخارجة بالقسمة كنسبة المقسوم عليه للمقسوم ، فيكون النصيب الواحد مماثلا للمقسوم عليه الذي هو جملة المال في النسبة ، وجملة الأنصباء مماثلة للخارج بالقسمة في النسبة ، فلنا أن نقيم أحد المتماثلين مقام الآخر فنقيم النصيب الواحد مقام المال وهو ثلاثة ، ونقيم المقسوم الذي هو ثلاثة عشر مقام الخارج بالقسمة الذي هو أربعة وثلث ، فنقول : النصيب ثلاثة والمال ثلاثة عشر .

                                                                                                                فهذا وجه القلب والتحويل وهو من السرار علم النسبة وهو علم جليل أعظم من علم الحساب ، أو نقول : المطلوب من هذا إنما هو النسبة فإن الجهالة إنما وقعت فيها ، والواحد مع الخارج بالقسمة مساويان في النسبة للمقسوم عليه الذي هو المال ، والمقسوم الذي هو جملة الأنصباء ، فمخرج الجزأين مساو لمخرج الجزأين في النسبة بينهما ، فلنا أن نقيم أي مجموع شيئا مقام الآخر عملا بالتماثل في النسبة فنقيم الواحد مقام المال ونقيم الخارج بالقسمة مقام الأنصباء ، لكن الخارج بالقسمة مساو للمال فلا فرق بينهما ، فيكون كلامنا في النصيب الواحد والمال ككلامنا في المال وجملة الأنصباء ، ويبقى اسم العدد على حاله ، لأنه قد وقعت النسبة .

                                                                                                                هذا إذا كانت القسمة على أكثر من مال حتى يكون الخارج بالقسمة أقل من المقسوم ، أما على مال واحد ، ولا قسمة على الواحد ، يخرج جملة المقسوم ، والجملة واحدة ، والمقسوم عليه واحد ، والخارج بالقسمة واحد ، ونسبة الواحد للواحد كنسبة الواحد للواحد نسبة التماثل ، فقد حصل التساوي في [ ص: 200 ] النسبة أيضا ، فيحصل المقصود من صحة إقامة كل واحد من هذين الجزأين مقام الجزأين الآخرين بعين ما ذكرناه .

                                                                                                                العاشرة ثلاثة بنين وأوصى بأن يكون أجنبي رابعا معهم ، ولآخر بثلث ما بقي من الثلث بعد الوصية الأولى : فلبعضهم طريق سهل أن يقيم مخرج الثلث ثلاثة ، ويضربها في ثلاثة لاحتياجه لثلث الثلث تبلغ تسعة تحط منها سهما واحدا أبدا ومن عدد البنين اثنين أبدا ، وتقسم باقي التسعة على من بقي من الورثة وهو واحد ، فيحصل له الثمانية وهو النصيب المطلوب ، فيكون ثلث ثلث المال ثمانية وثلاثة ، فجملة المال ثلاثة وثلاثون ومنه تصح ، وتعليله أن ضرب ثلاثة في ثلاثة لذكره ثلث الثلث تطلب عددا كذلك وأقله تسعة ، ولو قال ربع ثلث ضربت أربعة في ثلاثة ، أو خمس الثلث ضربت خمسة في ثلاثة لتحصيل الكسر المسمى ، وأسقط من المتحصل واحدا واحدا لعلمه بأنه أوصى بواحد من التسعة وهو ثلث الثلث فأخرجه ، إذ لا بد من إخراجه ، واقسم الباقي على الباقي من البنين دون الوصايا لتعين إعراضه عن الموصى به حتى لو أوصى بثلثي ما يبقى من الثلث ألقي من المتحصل سهمان ، وكذلك كلما زاد عدد الموصى به زاد الذي نسقطه على نسبته ، وكذلك لو أوصى بثلاثة أرباع الثلث أسقط بعد الضرب ثلاثة ، وإنما أسقط من عدد الورثة اثنين لأنه قصد أن يجر بالعمل لما عدا الوصايا وما يماثلها ، وهو كل واحد ممن أوصي له بأن يكون زائدا في عدد الورثة ، لكنه لم يعمم ذلك ، بل اقتصر على اثنين من الأبناء بسبب أن المسألة مفروضة في أن الوصيتين في الثلث ، فيكون أجزاء المال ثلاثة لأجل ذكر الثلث ، الوصيتان من أحد الأثلاث ، فإذا أخرجا أحد الأبناء من الثلثين الآخرين نصيبين لاثنين فلذلك أسقطنا ابنين فقط ، لأن القصد قصر العمل في غير الوصايا وما يتبعها للتسهيل ، فلو فرضنا الوصية بثلث ما يبقى من الربع فيكون النصيب في الربع ، فيكون في المال أربعة أنصباء ، واحد للموصى له وثلاثة للبنين الثلاثة ، فتسقط من هذه المسألة ثلاثة لما ذكرناه .

                                                                                                                والضابط أنا نسقط من عدد البنين أو الورثة أقل من أجزاء المال بواحد أبدا ، [ ص: 201 ] فإن كانت الوصية في الخمس أسقطنا أربعة ، أو السدس أسقطنا خمسة ، وإذا أعرضنا عن الوصايا ، وما يتبعها فضل معنا الأجزاء الكائنة في كل ثلث مع النصيب ، وهي في المسألة المفروضة ثمانية ; لأن الثلاثة التي في ثلث الوصية ذهب منها واحد للموصى له بثلث الثلث ، وهو الواحد الذي أسقطناه من التسعة ، بقي اثنان مع ستة في الثلثين الآخرين ، تكون ثمانية هي نصيب الوارث ، وهو الولد الثالث لإسقاطنا ما يستحق غيره ، فأسقطنا ثلاثة أيضا من الثلاثة أثلاث لإسقاطنا ابنين مع الوصايا ، فإن الوارث الفاضل بعد الإسقاط أكثر من واحد ، قسمنا الفاضل بينهما ، فما ناب الوارث الواحد كيف كان واحدا أو أكثر فهو مماثل للنصيب الموصى به ; لأن المجهول يتبع المعلوم .

                                                                                                                ولما كان نصيب الوارث الحاصل له في هذه المسألة ثمانية علمنا أن النصيب ثمانية ، فتضم إليها ثلاثة لأجل الوصية الثانية بثلث الثلث ، فيكون الثلث أحد عشر ، فيكون المال ثلاثة وثلاثين ، وهي طريقة سهلة لاستخراج المجهولات على اختلاف أنواع الكسور الموصي بها ، ولها شرط واحد وهو استواء أنصباء الورثة ، أو يختلف ، ويمكن أن تجعل كل اثنين منهم وثلاثة بمنزلة واحد لتستوي السهام ، ثم تضرب المسألة بعد ذلك في عدد أولئك الورثة الذين جعلناهم كوارث ، ومنها تصح .

                                                                                                                وتحرير هذه الطريقة أن تضرب مخرج الجزء الموصى به ثانيا في مخرج الجزء من المال الذي جعلت الوصايا فيه ، وتسقط من المتحصل عدد أجزاء الوصية الثانية أبدا ، ثم تسقط من عدد الورثة بعدد أجزاء المال إلا واحدا أبدا ، والفاضل من المضروب المتحصل من الضرب تقسمه على باقي الورثة واحدا كان أو أكثر ، فما ناب الواحد منهم فهو مساو للنصيب ، رد عليه العدد الذي تخرج منه الوصية الثانية يكون الجميع ثلث المال ، اضربه في ثلاثة يخرج جملة المال .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية