الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الرابعة عشرة : ثلاثة بنين ، وأوصى بمثل نصيب رابع ، ولآخر بثلث ما يبقى من الربع ، وبربع ما يبقى من الثلث ، فنأخذ ثلث مال بفرضه نصيبا ، وأربعة أسهم ، يعطى للموصى له بالنصيب النصيب ، وللموصى له بربع ما تبقى من الثلث سهم من الأربعة يبقى ثلاثة منها ، فنقول : ربع المال على هذا التقدير ثلاثة أرباع نصيب وثلاثة أسهم ، الباقي منه بعد النصيب ثلاثة أسهم إلا ربع نصيب ، يكون الخارج من جملة المال نصيبا وسهمين إلا نصف سدس نصيب ، وجملة المال ثلاثة أنصباء واثني عشر سهما ; لأن في كل ثلث نصيبا وأربعة أسهم ضرورة استواء الأثلاث ، فيفضل من المال عشرة أسهم ، ونصيبان ، ونصف سدس نصيب ، تعدل أنصباء الورثة ، وهي ثلاثة ، تسقط المتجانس بالمتجانس يبقى عشرة أسهم تعدل ثلثي نصيب وربع نصيب [ ص: 206 ] فتضرب الجميع في اثني عشر التي هي مخرج الربع والثلثين يكون المال مائة وعشرين ، والنصيب أحد عشر ، فتقسم مائة وعشرين على أحد عشر يكون الخارج عشرة أسهم ، وعشرة أجزاء من أحد عشر ، وهو النصيب فتجمع الأنصباء يكون اثنين وثلاثين سهما وثمانية أجزاء من أحد عشر ، وتضم إليها ما في كل ثلث وهي اثنا عشر ، فتصير الجملة أربعة وأربعين سهما وثمانية أجزاء من أحد عشر وهو المال ، فتضرب الجميع في أحد عشر يكون المال أربعمائة واثنين وتسعين ، ويكون النصيب مائة وعشرين ، يخرج ثلث المال وهو مائة وأربعة وستون ، يخرج منها النصيب وهو مائة وعشرون ، تبقى أربعة وأربعون يعطى ربعها للموصى له بربع ما يبقى من الثلث ، وهو أحد عشر ، يفضل من الثلث ثلاثة وثلاثون ، ثم يخرج ربع المال ، وهو مائة وثلاثة وعشرون تلقي منه النصيب ليعلم ما يبقى بعده ، يعطي للموصى له بثلث الباقي من الربع ، فيبقى منه ثلاثة يعطي ثلثهما واحد للموصى له بثلث ما يبقى من الربع ، فإذا علمنا أن الذي يستحقه بالوصية واحد رجعنا إلى ما يبقى من الثلث ، فيسقط منه واحد له ، يفضل للورثة من الثلث بعد الوصايا اثنان وثلاثون تضمها إلى الثلثين ، وهما ثلاثمائة وثمانية وعشرون تبلغ ثلاثمائة وستين ، لكل ابن مائة وعشرون ، وهو النصيب الذي خرج أولا .

                                                                                                                وفي هذه المسألة بحثان :

                                                                                                                أحدهما : " أنا لم نقلب في هذه المسألة ، ولم نحول بسبب أن القلب والتحويل يختص بما إذا كانت الأنصباء تعدل مالا ، أو أموالا ، أو كسرا من ذلك ، فيحتاج حينئذ لقسمة الأنصباء على المال ليعلم حصة المال الواحد من الأنصباء ، وقد تقدم تعليل القلب والتحويل ، وبناؤه على القسمة على الأموال ، وكذلك إذا كان العدد قبالة الأنصباء لكنه عدد فرض ليتوصل به إلى التصرف في المال أو جزئه ، والعمل في الحقيقة إنما هو في المال ، وفي هذه المسألة العدد مقصود ; لأنه المفروض من أول وهلة ، فقلنا : ثلث المال أربعة أسهم ونصيب ; لأنا قلنا نزيد ربع ثلث ثلث المال ، فيفرض ثلث المال اثنا عشر وسيلة للعمل ، فظهر الفرق .

                                                                                                                [ ص: 207 ] إذا تقرر هذا فالعدد في هذه المسألة آحاد ، والأنصباء أشياء ، وقاعدة الجبر أن يقسم العدد على الأشياء ، وإنما جعلنا النصيب شيئا ; لأنه مجهول ، والمجهول يحسن أن يجعل شيئا ، فلا جرم كانت الأنصباء في المقسوم عليها لا المقسومة ، فلم نقلب ولم نحول لانتفاء علة القلب ، والتحويل ، وهو أن المراد من قسمة الأنصباء على الأموال معرفة ما يخص المال الواحد من الأنصباء بسبب القسمة ، وهو منفي هاهنا ، وأما إذا كانت الأنصباء تعادل المال فتجعل الأنصباء آحادا عددا ; لأن المقصود ما يخص المال الواحد من عدد الأنصباء ، فالمطلوب هو معرفة نسبة العدد من الأنصباء للمال الواحد ، فجعلنا الأموال أشياء لأنها مجهولة ، وقسمنا الأنصباء عليها من باب العدد على الأشياء ، وهي إحدى المسائل الست ، فلذلك اختص القلب ، والتحويل بغير هذه المسألة .

                                                                                                                وثانيهما : أن هذا الموصي لما أوصى بمثل نصيب رابع فقد أوصى بربع ماله ; لأنه لو قال بنصيب أحد الثلاثة كان الثلث خلافا للشافعي في جعله الربع ، فقوله بعد ذلك ولآخر بثلث ما يبقى من الربع لا يستقيم ; لأن الموصى له أولا استوعب الربع ، فهذه الوصية باطلة ، لكنه لما أوصى مع ذلك بربع ما يبقى من الثلث فقد نقصت أنصباء البنين بسبب هذه الوصية عن الربع ، والموصى له بمثل نصيب ولد آخر نقص أيضا ضرورة استوائهم ، فيفضل من الربع شيء يمكن أن تنفذ منه الوصية من بقية الربع ، فظهر من هذا التقرير أن الوصية بربع الثلث هي المصححة بهذه المسألة ، فمتى فقدت استحالت المسألة ، وهذا بخلاف قوله : أوصيت بربع مالي إلا ربع المال لزيد ، والورثة ثلاثة بنين ، فإنه لم يقل ما بقي من الربع ، وإنما استثنى ربع المال لكل ابن من بنيه ، وقد تقدم بسط هذه الأشياء .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية