فصل : فإذا ثبت أن في الإنسان  ما يوجب العتق ،   ويمنع من ثبوت الملك ، فقد اختلف الفقهاء فيمن يعتق به ، فذهب  الشافعي   أنه يعتق عليه من ملكه من والديه ، ومولوديه ، فوالدوه آباؤه ، وأمهاته ، وأجداده ، وجداته .  
ومولودوه : أبناؤه ، وبناته ، وأولاد بنيه ، وأولاد بناته ، ويستوي فيه من قرب منهم ، ومن بعد ، ولا يعتق عليه بعد الوالدين والمولودين أحد من المناسبين ولا من ذوي الأرحام ، وإن كانوا ذوي محارم كالإخوة والأخوات ، والأعمام ، والعمات ، والأخوال ، والخالات .  
وزاد  مالك   على قولنا ، فأعتق مع الوالدين والمولودين ، الإخوة والأخوات دون الأعمام والعمات ؛ لأنهم قد شاركوا في الصلب وراكضوا في الرحم .  
وقال  أبو حنيفة      :  يعتق بالنسب كل ذي رحم محرم ،   فأدخل فيهم الأعمام ، والعمات ، والأخوال والخالات ، دون أولادهم احتجاجا بقول النبي صلى الله عليه وسلم :  من ملك ذا رحم محرم عتق عليه      .  وقياسا على الوالدين والمولودين بعلة أنهم ذوو رحم محرم .  
ودليلنا قول النبي صلى الله عليه وسلم :  لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه     . فاقتضى عموم هذا الظاهر إقرار ملكه على كل مملوك من أخ أو عم إلا من خصه الدليل من والد أو ولد ، ولأن كل شخصين لا ولادة بينهما لم يعتق أحدهما على الآخر بالملك قياسا على ابن العم . ولأن كل قرابة لا تتضمن رد الشهادة لم يعتق بالملك قياسا على بني الأعمام طردا ، . وعلى الوالدين والمولودين عكسا . فأما الجواب عن الخبر ، فمن وجهين :  
أحدهما : أن أصحاب الحديث قد أعلوه ؛ لأنه ورد من طريقين :  
أحدهما :  الحسن   عن  سمرة ،   ولم يثبت أصحاب الحديث عن  الحسن   عن  سمرة ،   وهو مرسل .  
والطريق الثاني : .  سفيان الثوري   عن  عبد الله بن دينار   عن  ابن عمر ،   ولم يروه من أصحاب  سفيان   إلا  ضمرة بن ربيعة   وهو مضعوف من بين أصحاب الثقات .  
والجواب الثاني : أنه مقصور على الوالدين والمولودين ؛ لأن حقيقة الرحم في اللغة مختصة بالولادة ، وتطلق على غيرها مجازا ، والأحكام الشرعية تتعلق بحقائق الأسماء دون مجازها .  
 [ ص: 73 ] وأما الجواب عن قياسه على الوالدين والمولودين بعلة أنهم ذوو رحم محرم ، فمن وجهين :  
أحدهما : أنه تعليل لا يصح في ذكرين ، ولا في أنثيين ؛ لأنه لا محرم بين ذكرين ولا بين أنثيين ، وإنما المحرم بين الذكر والأنثى ، فبطل التعليل بالمحرم ؛ لأن حكم الذكرين والأنثيين كحكم الذكر والأنثى .  
والجواب الثاني : أنه تعليل يوجب اعتبار العتق بالنكاح وهما مفترقان ؛ لأن النكاح أعم تحريما من العتق ؛ لأنه يتجاوز تحريم النسب إلى تحريم السبب من رضاع ومصاهرة ، والعتق يقصر عنه في السبب ، فقصر عنه في النسب . ولئن كان  إبراهيم النخعي   قد أعتق كل محرمة بنسب وسبب ، فإن  أبا حنيفة   لا يعتق المحرمة بالسبب من رضاع أو مصاهرة ، وإنما يعتقها بالنسب من أبوة أو بنوة ، فكان التعليل بها أولى من التعليل بالتحريم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					