الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وحكم هؤلاء العبيد لو لم يعتقهم في مرضه ، ووصى بعتقهم بعد موته ، [ ص: 50 ] وهم جميع تركته كحكمهم لو أعتقهم في مرضه إلا في أربعة أحكام :

                                                                                                                                            أحدها : أن عتقهم في المرض متقدم على الموت ، وفي الوصية متأخر عنه .

                                                                                                                                            والثاني : أن عتق المرض مباشرة ينفذ بلفظه ، وعتق الوصية ينفذ بلفظ الورثة ، فإن امتنعوا استوفاه الحاكم منهم .

                                                                                                                                            والثالث : أن قيمة المعتقين في المرض معتبرة بوقت عتقهم قبل الموت ، وقيمة المعتقين في الوصية معتبرة بقيمتهم وقت الموت على ما سنذكره .

                                                                                                                                            والرابع : أن العتق في المرض يملكون به ما اكتسبوه في حياة المعتق ، وبعد موته ، وكسب من رق منهم يملك المعتق منه ما كسبوه في حياته ، ويضاف إلى تركته ، ويملك الورثة ما اكتسبوه بعد موته ، والعتق بالوصية يوجب أن تكون أكسابهم قبل الموت من تركة الموصي وأكسابهم بعد الموت للورثة ، يستوي فيه كسب من عتق منهم ، ومن رق قبل القرعة للعتق ، ولا يقضى من هذه الأكساب ديون الميت ؛ لأنها حادثة على ملك الورثة ، وحكي عن أبي سعيد الإصطخري أن ديون الميت تقضى من هذه الأكساب الحادثة على ملك الورثة ؛ لأنهم استفادوها من تركة لا يستقر ملكهم عليها ، إلا بعد قضاء ديونها .

                                                                                                                                            ويتفرع على هذا الفصل : إذا أعتق عبدا في مرضه قيمته مائة درهم لا مال له غيره ، فكسب في حياة سيده مائة درهم وبعد موته مائة درهم فالمائة التي كسبها في حياة سيده داخلة في تركته تضم إلى قيمته ، ويدخل بها دور يزيد في عتقه ، والمائة التي كسبها بعد موته خارجة من التركة ، ولا يدخل بها دور ، ولا يزيد بها عتق ، وقدر ما يعتق منه نصفه ، ويملك به نصف كسبه في حياة سيده ، ونصف كسبه بعد موته ، ويرق نصفه للورثة ، ويستحقون به نصف كسبه في حياة سيده ميراثا ، ونصف كسبه بعد موته ملكا ، وبابه في عمل الدور أن يجعل العتق سهما ، والكسب سهما ؛ لأن الكسب مثل قيمة العبد ، ويجعل للورثة سهمين ، ليكونا مثلي سهم العتق ، وتجمع السهام ، وهي أربعة ، وتقسم التركة عليها ، وهما مائتا درهم ؛ لأن قيمة العبد مائة درهم ، وقد ضم إليها الكسب في حياة السيد مائة ، فيكون قسط كل سهم منها خمسين درهما ، وللعتق سهم واحد ، وهو نصف قيمته ، فعتق به نصفه ، وملك به نصف كسبه في حياة السيد ، ورق نصفه للورثة ، وملكوا نصف كسبه في حياة السيد ميراثا ، فصار لهم بالرق والكسب مائة درهم هي مثلا ما عتق من نصفه ، ويكون الكسب بعد موت السيد بين العبد والورثة نصفين ، بحسب ما فيه من حرية ورق .

                                                                                                                                            فلو كانت المسألة بحالها في عتق هذا العبد الذي قيمته مائة درهم ، وكسب العبد في حياة سيده مائة درهم ، وبعد موته مائة درهم ، وكان على السيد مائة درهم [ ص: 51 ] ضم كسب الحياة إلى التركة ، وخرج الكسب بعد الموت منها ، فصارت التركة مائتي درهم يقضى نصفها في الدين ، ويبقى نصفها في العتق والميراث فيعتق منه ربعه ، ويرق ثلاثة أرباعه ، وبابه أن يجعل للعتق سهما ، وللكسب سهما ، وللورثة سهمين ، ويقسم باقي التركة بعد الدين ، وهو مائة على هذه السهام الأربعة يكون قسط السهم منها خمسة وعشرين درهما ، فيعتق منه بسهم العتق ربعه ، ويملك به ربع كسبه ، ويرق للورثة ثلاثة أرباعه ، وهو بخمسة وسبعين درهما ، ويملكون به ثلاثة أرباع كسبه ، وهو خمسة وسبعون درهما ، يصيران مائة وخمسين درهما يقضى منهم الدين مائة درهم ، ويبقى مع الورثة خمسون درهما هي مثلا ما خرج بالعتق المقدر بخمسة وعشرين درهما ، وتكون المائة المكتسبة بعد موت السيد بين العبد والورثة بقدر الحرية والرق ، يملك العبد ربعها بقدر حريته ، ويملك الورثة ثلاثة أرباعها كسبا مستفادا ، بما ملكوه من رقه لا تدخل التركة ، ولا يقضى منها الدين .

                                                                                                                                            فأما على قول أبي سعيد الإصطخري : يقضى الدين منها ، فيدخل بها دور يزيد في العتق لزيادة ما يقضى به الديون وزيادة دورها بثلثها ؛ لأن المحكي عن أبي سعيد أن الكسب بعد الوفاة يقضى به الديون ولا ينفذ به الوصايا ، فتجعل المائة المكتسبة بعد الموت أثلاثا ، ثلثا للعبد بكسب عتقه ، وثلثا للورثة بكسب رقه ، وثلثا يضاف إلى التركة لقضاء دينه ، فتصير التركة مع هذا الثلث مائتين وثلاثة وثلاثين وثلثا ، يقضى منها الدين مائة ، ويبقى من التركة بعد قضائها مائة وثلاثة وثلاثون وثلث تقسم على أربعة هي سهم للعتق وسهم للكسب وسهمان للورثة ، يخرج قسط السهم ثلاثة وثلاثون وثلث فأعتق منه بقدرها ، وهو الثلث ، ويملك به ثلث كسبه ، ويرق للورثة ثلثاه ، وهو مثلا ما عتق منه ، وقد ملك من المكتسب بعد الموت ثلثه ، وملك الورثة ثلثيه ، وهما مستفادان من غير التركة .

                                                                                                                                            قلت : كأنه جعل جزء من العبد يقضى به الدين ، فهو لما يستحق بذلك الجزء من كسبه في حياة سيده ، وبعد موت السيد للدين ثم جعل سهما من رقبته ببيعه سهما من الكسب بقدر ثلاثة أسهم ما بقي ، ولو كسب بعد الموت مائة لصار في ملكه الذي مع ربع كسبه ، وبقية كسبه بعد الموت ، فسقط ؛ لأنه ليس من التركة ، فيبقى ما يبقى ؛ لأنه عبد أعتقه في مرض موته ، وبقية كسبه في حياة سيده .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية