الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإن كان المحبل موسرا لزم تقويم الباقي عليه ، وسرى حكم الإيلاد إليه ، وهل يقوم عليه في الحال أو يكون تقويمه موقوفا على عجزها ، على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تقوم في الحال تغليبا للإيلاد على الكتاب للزوم حكمها .

                                                                                                                                            والقول الثاني : يكون تقويمه موقوفا على العجز تغليبا لحكم الكتابة على الإيلاد لتقدمه ، فإن قلنا بتقويمها في الحال قبلت كتابتها في حصة الشريك بزوال ملكه بالتقويم وكانت الكتابة في حصة المحبل باقية ، لأنه لا يتنافى اجتماع الكتابة والإيلاد ، فعلى هذا إن أدت كتابتها في حصة المحبل وسرى العتق إلى جميعها كما لو باشر عتق بعضها ، وإن عجزت بطلت كتابتها وصار جميعها أم ولد .

                                                                                                                                            فأما الولد على هذا قد كان نصفه حرا بالملك ، وصار باقيه حرا بالسراية ، وهل تلزمه قيمته للشرك أم لا ؟ معتبر بحال وضعه ، وهو لا يخلو من أحد أمرين : إما أن تضعه قبل دفع القيمة أو بعده .

                                                                                                                                            فإن وضعته بعد أن دفع إلى الشريك قيمة حصته منها فليس عليه قيمة الولد .

                                                                                                                                            [ ص: 220 ] لأنها وضعته بعد استقرارها على ملكه ، وإن وضعته قبل دفع القيمة فعلى قولين ، مبنيين على اختلاف القولين ، فيما تصير به حصة الشريك أم ولد :

                                                                                                                                            فأحد القولين : أنها تصير أم ولد في جميعها بالإحبال ، فعلى هذا لا تلزمه قيمة حصة الشريك في الولد ، لأنها وضعته بعد أن صارت أم ولد له .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن باقيها لا يصير أم ولد إلا بالإيلاد ودفع القيمة ، فعلى هذا تلزمه قيمة حصة الشريك من الولد ، لثبوت رقه عليه ، وإن قلنا : إن تقويمها موقوف على عجزها عن الكتابة لم يخل حالها من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن تؤدي ، أو تعجز .

                                                                                                                                            فإن أدت كتابتها إليهما عتق جميعها بالكتابة ، وبطل حكم الإيلاد ، فأما ولدها فلا يوقف ، وتقوم حصة الشريك فيه على الأب ، ويتحرر عتق جميعه ، وإن عجزت الأم عن الكتابة انفسخت الكتابة في حق الشريك الذي لم يحبل ، ولم يجز أن يقيم عليها لما تعلق بها من حق المحبل في تقويمها عليه ، فتقوم عليه حصة شريكه ، وتصير جميعها أم ولد له ، ثم لها وللمحبل حالتان :

                                                                                                                                            إحداهما : أن يتفقا على الإنظار بالكتابة في حقه ، فيجوز ذلك لهما إذا تراضيا به ، لأنه لا يتعلق بالكتابة حق لغيرها ، بخلاف الشريك الذي لم يحبل ، أو تكون الكتابة باقية في نصفها وهو حق المحبل ، وباطلة في النصف الباقي ، وهو حق الذي لم يحبل ، فإن أدت عتق نصفها بالكتابة وباقيها بالسراية ، وإن عجزت فسخت الكتابة ، وكان جميعها أم ولد .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن لا يتفقا على الإنظار بل يختلفا فيه ، فالكتابة تنفسخ بينهما ، لأن المكاتبة لا يلزمها المقام على العقد ، والسيد لا يلزمه الإنظار بالمال ، فأيهما دعا إلى الفسخ بعد العجز انفسخت به الكتابة ، وإذا انفسخت استقر بعد فسخها حكم الولادة ، وصار جميعها أم ولد يعتق بموت السيد .

                                                                                                                                            فأما الولد فيلتزم الأب قيمة نصفه لشريكه ، ويتحرر عتق جميعه على ما ذكرنا ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية