[ ص: 140 ] مختصر المكاتب
قال
الماوردي : أما
nindex.php?page=treesubj&link=7448الكتابة فهو أن يعقد السيد مع عبده عقد معاوضة على عتقه بمال يتراضيان به إلى نجوم يتفقان عليها ، ليعتق بأدائها فيملك العبد كسب نفسه ويملك السيد به مال نجومه ، وفي تسمية هذا العقد كتابة وجهان :
أحدهما : العرف الجاري بكتابته في كتاب وثيقة ، توقع فيها الشهادة .
والثاني : لأن
nindex.php?page=treesubj&link=7448الكتابة في اللغة الضم والجمع ، فسمي بها هذا العقد لضم النجوم بعضها إلى بعض .
nindex.php?page=treesubj&link=7449والأصل في جواز الكتابة قول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم " ( النور : 33 ) .
nindex.php?page=treesubj&link=28995وفي قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33علمتم فيهم خيرا ) ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن المراد بالخير القدرة على الكسب ، والاحتراف ، وهذا قول
ابن عمر ، وابن عباس .
والثاني : أنه الرشد والصلاح في الدين . وهذا قول
الحسن وطاوس وقتادة .
والثالث : أنه الكسب والأمانة ، ليكون بالكسب قادرا على الأداء وبالأمانة موثوقا بوفائه ، وهذا قول
الشافعي ومالك .
وفي
nindex.php?page=treesubj&link=28995قوله : " nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33وآتوهم من مال الله الذي آتاكم " ( النور : 33 ) ، وجهان :
أحدهما : يعني من مال الزكاة في سهم الرقاب يعطاه المكاتب ليستعين به في أداء ما عليه للسيد ، ويجوز للسيد أخذه وإن كان غنيا ، ويكون هذا خطابا لأرباب الأموال ، وهذا قول
الحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ، وعبد الرحمن بن زيد .
والثاني : من مال الكتابة يضعه السيد عنه ، أو يرده عليه معونة له كما أعانه غيره من سهم الرقاب ، ويكون هذا خطابا للسيد . وهذا قول الجمهور .
وحكى
الكلبي أن سبب نزول هذه الآية أن عبدا
لحويطب بن عبد العزى سأله أن يكاتبه ، فامتنع فأنزل الله تعالى ذلك فيه .
[ ص: 141 ] ويدل على جوازها من السنة حديث
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925805المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم .
وروى
سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925806من أعان غارما ، أو غازيا ، أو مكاتبا في كتابته أظله الله في ظله ولا ظل إلا ظله .
وروى
الشافعي عن
سفيان عن
الزهري عن نبهان مولى nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة رضي الله عنها أنها كاتبته وقالت له : كم بقي عليك قال : قلت : ألف درهم قالت : فعندك ما تؤدي . قلت : نعم . قالت : ادفعها إلى فلان ، ابن أختها ، ثم ألقت الحجاب ، وقالت : السلام عليك - هذا آخر ما تراني - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه .
ويدل عليه من فعل الصحابة ما روي أن
nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة كوتبت على تسع أواق تؤدي في كل عام أوقية .
وكاتب
عبد الله بن عمر عبدا له على خمسة وثلاثين ألف درهم .
وكاتب
أنس بن مالك مولاه
سيرين أبا محمد على مال ترك عليه منه خمسة آلاف درهم . قيل في أول نجومه .
وقيل : في آخرها . وانعقد الإجماع على جوازها ، وإنما اختلفوا في
nindex.php?page=treesubj&link=7449وجوبها إذا طلبها العبد من سيده ، فذهب
عطاء بن أبي رباح ، وعمرو بن دينار ، وداود بن علي إلى وجوبها ، وأن يؤخذ بها السيد إذا طلبها العبد ، بقدر قيمته فما زاد استدلالا بقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ، ( النور : 33 ) ، وهذا أمر يقتضي الوجوب . ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ( النور : 33 ) ، . والإيتاء واجب فكذلك الكتابة ؛ لأن صيغة الأمر فيهما واحدة .
ولأن
سيرين سأل
أنس بن مالك أن يكاتبه فأبى عليه فعلاه
عمر بالدرة وقال : أما سمعت الله تعالى يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ، ( النور : 33 ) ، فكاتبه ، ولأن العقود التي تفضي إلى صلاح النفوس قد يجوز أن يقع الإجبار فيها كالمضطر إلى طعام يجبر مالكه على بيعه لما فيه من صلاح النفس ، كذلك الكتابة المفضية إلى العتق يجوز أن يقع الإجبار عليها لما فيها من صلاح النفس . وذهب
الشافعي وأبو حنيفة ومالك [ ص: 142 ] ومن تقدمهم من الفقهاء والتابعين إلى أنها ندب لا تجب استدلالا بأن عقد الكتابة يتردد بين أصلي حظر يجذبه كل واحد منهما إلى حكمه .
أحدهما : أنه غرر ؛ لأنه عقد على موجود بمعدوم .
والثاني : أنه معاوض على ملكه بملكه ، فصار الأمر بالكتابة واردا بعد حظرها ، فاقتضى أن يحمل على الإباحة دون الوجوب كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=222فإذا تطهرن فأتوهن البقرة : ( 222 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وإذا حللتم فاصطادوا ، ( المائدة : 2 ) وفي هذا دليل وانفصال .
ولأن مطلق الأمر يقتضي عموم حكمه في الوجوب والندب ولا يتجزأ حكمه ، فيكون بعضه واجبا ، وبعضه ندبا ، فلما حمل على الندب فيما قل عن القيمة ، وجب أن يقرن محمولا عليه فيما زاد عليها . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923215لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ، فاقتضى هذا الظاهر ألا يجبر السيد على إزالة ملكه عن رقبة العبد إلا بطيب نفسه ، وكالتدبير الذي لا إجبار فيه ؛ لأنهما عتق صفة .
فأما استدلالهم بوجوب الإيتاء فعنه جوابان :
أحدهما : أنه لا يمتنع أن يكون المندوب إليه شروطا واجبة كالطهارة لصلاة النافلة ، كذلك الإيتاء في الكتابة واجب وإن كانت الكتابة غير واجبة .
والثاني : أنه لما جاز أن يختلف الأمر بها عندهم في العموم والخصوص فحملوه في الكتابة على الخصوص ، وفي الإيتاء على العموم ، جاز أن يختلفا عندنا في الوجوب والندب ، فحمل الكتابة على الندب ، والإيتاء على الوجوب .
وجواب ثالث : وهو أن الكتابة معاوضة وأصول الشرع تمنع من وجوب عقود المعاوضات كالبيع والإيتاء مواساة وأصول الشرع لا تمنع من وجوب المواساة كالزكاة .
وأما استدلالهم بإجبار
أنس على كتابة
سيرين فلا إجماع فيه فيستدل به ، وقول
عمر لا يحج
أنسا فلم يكن فيه دليل . وأما استدلالهم بما فيه من صلاح النفوس كالمضطر فليس بصحيح لأنه لا يجوز أن يعتبر ما تعلق باختيار الطالب في مصالح نفسه بحال المضطر في حفظ متاعه ، ألا ترى أن المضطر يجب عليه حراسة نفسه ، ولا يجب على العبد أن يدعو إلى كتابته فلما افترقا في حكم الطالب ، وجب أن يفترقا في حكم المطلوب .
[ ص: 140 ] مُخْتَصَرُ الْمُكَاتَبِ
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=7448الْكِتَابَةُ فَهُوَ أَنْ يَعْقِدَ السَّيِّدُ مَعَ عَبْدِهِ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ عَلَى عِتْقِهِ بِمَالٍ يَتَرَاضَيَانِ بِهِ إِلَى نُجُومٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهَا ، لِيُعْتَقَ بِأَدَائِهَا فَيَمْلِكُ الْعَبْدُ كَسْبَ نَفْسِهِ وَيَمْلِكُ السَّيِّدُ بِهِ مَالَ نُجُومِهِ ، وَفِي تَسْمِيَةِ هَذَا الْعَقْدِ كِتَابَةً وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : الْعُرْفُ الْجَارِي بِكِتَابَتِهِ فِي كِتَابِ وَثِيقَةٍ ، تُوَقَّعُ فِيهَا الشَّهَادَةُ .
وَالثَّانِي : لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=7448الْكِتَابَةَ فِي اللُّغَةِ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ ، فَسُمِّيَ بِهَا هَذَا الْعَقْدُ لِضَمِّ النُّجُومِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ .
nindex.php?page=treesubj&link=7449وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ الْكِتَابَةِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ " ( النُّورِ : 33 ) .
nindex.php?page=treesubj&link=28995وَفِي قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) ثَلَاثَةُ تَأْوِيلَاتٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْكَسْبِ ، وَالِاحْتِرَافِ ، وَهَذَا قَوْلُ
ابْنِ عُمَرَ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ الرُّشْدُ وَالصَّلَاحُ فِي الدِّينِ . وَهَذَا قَوْلُ
الْحَسَنِ وَطَاوُسٍ وَقَتَادَةَ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ الْكَسْبُ وَالْأَمَانَةُ ، لِيَكُونَ بِالْكَسْبِ قَادِرًا عَلَى الْأَدَاءِ وَبِالْأَمَانَةِ مَوْثُوقًا بِوَفَائِهِ ، وَهَذَا قَوْلُ
الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ .
وَفِي
nindex.php?page=treesubj&link=28995قَوْلِهِ : " nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ " ( النُّورِ : 33 ) ، وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : يَعْنِي مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ فِي سَهْمِ الرِّقَابِ يُعْطَاهُ الْمُكَاتَبُ لِيَسْتَعِينَ بِهِ فِي أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ لِلسَّيِّدِ ، وَيَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَخْذُهُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا ، وَيَكُونُ هَذَا خِطَابًا لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ ، وَهَذَا قَوْلُ
الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ .
وَالثَّانِي : مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ يَضَعُهُ السَّيِّدُ عَنْهُ ، أَوْ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ مَعُونَةً لَهُ كَمَا أَعَانَهُ غَيْرُهُ مِنْ سَهْمِ الرِّقَابِ ، وَيَكُونُ هَذَا خِطَابًا لِلسَّيِّدِ . وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ .
وَحَكَى
الْكَلْبِيُّ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ عَبْدًا
لِحُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى سَأَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُ ، فَامْتَنَعَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِيهِ .
[ ص: 141 ] وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِهَا مِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ
عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925805الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ دِرْهَمٌ .
وَرَوَى
سَهْلُ بْنُ حَنِيفٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925806مَنْ أَعَانَ غَارِمًا ، أَوْ غَازِيًا ، أَوْ مُكَاتَبًا فِي كِتَابَتِهِ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ وَلَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ .
وَرَوَى
الشَّافِعِيُّ عَنْ
سُفْيَانَ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ نَبْهَانَ مَوْلَى nindex.php?page=showalam&ids=54أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَاتَبَتْهُ وَقَالَتْ لَهُ : كَمْ بَقِيَ عَلَيْكَ قَالَ : قُلْتُ : أَلْفُ دِرْهَمٍ قَالَتْ : فَعِنْدَكَ مَا تُؤَدِّي . قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَتْ : ادْفَعْهَا إِلَى فُلَانٍ ، ابْنِ أُخْتِهَا ، ثُمَّ أَلْقَتِ الْحِجَابَ ، وَقَالَتْ : السَّلَامُ عَلَيْكَ - هَذَا آخِرُ مَا تَرَانِي - سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ وَكَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ .
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ مَا رُوِيَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=216بَرِيرَةَ كُوتِبَتْ عَلَى تِسْعِ أُوَاقٍ تُؤَدِّي فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةً .
وَكَاتَبَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَبْدًا لَهُ عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ .
وَكَاتَبَ
أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مَوْلَاهُ
سِيرِينَ أَبَا مُحَمَّدٍ عَلَى مَالٍ تَرَكَ عَلَيْهِ مِنْهُ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ . قِيلَ فِي أَوَّلِ نُجُومِهِ .
وَقِيلَ : فِي آخِرِهَا . وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهَا ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=7449وُجُوبِهَا إِذَا طَلَبَهَا الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ ، فَذَهَبَ
عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ، وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى وُجُوبِهَا ، وَأَنْ يُؤْخَذَ بِهَا السَّيِّدُ إِذَا طَلَبَهَا الْعَبْدُ ، بِقَدْرِ قِيمَتِهِ فَمَا زَادَ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ، ( النُّورِ : 33 ) ، وَهَذَا أَمْرٌ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ . ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ( النُّورِ : 33 ) ، . وَالْإِيتَاءُ وَاجِبٌ فَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ .
وَلِأَنَّ
سِيرِينَ سَأَلَ
أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَنْ يُكَاتِبَهُ فَأَبَى عَلَيْهِ فَعَلَاهُ
عُمَرُ بِالدُّرَّةِ وَقَالَ : أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ، ( النُّورِ : 33 ) ، فَكَاتَبَهُ ، وَلِأَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي تُفْضِي إِلَى صَلَاحِ النُّفُوسِ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ الْإِجْبَارُ فِيهَا كَالْمُضْطَرِّ إِلَى طَعَامٍ يُجْبَرُ مَالِكُهُ عَلَى بَيْعِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ صَلَاحِ النَّفْسِ ، كَذَلِكَ الْكِتَابَةُ الْمُفْضِيَةُ إِلَى الْعِتْقِ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ الْإِجْبَارُ عَلَيْهَا لِمَا فِيهَا مِنْ صَلَاحِ النَّفْسِ . وَذَهَبَ
الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ [ ص: 142 ] وَمَنْ تَقَدَّمَهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالتَّابِعِينَ إِلَى أَنَّهَا نَدْبٌ لَا تَجِبُ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ أَصْلَيْ حَظْرٍ يَجْذِبُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى حُكْمِهِ .
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ غَرَرٌ ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَوْجُودٍ بِمَعْدُومٍ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ مُعَاوِضٌ عَلَى مِلْكِهِ بِمِلْكِهِ ، فَصَارَ الْأَمْرُ بِالْكِتَابَةِ وَارِدًا بَعْدَ حَظْرِهَا ، فَاقْتَضَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْإِبَاحَةِ دُونَ الْوُجُوبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=222فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ الْبَقَرَةِ : ( 222 ) ،
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ، ( الْمَائِدَةِ : 2 ) وَفِي هَذَا دَلِيلٌ وَانْفِصَالٌ .
وَلِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ يَقْتَضِي عُمُومَ حُكْمِهِ فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَلَا يَتَجَزَّأُ حُكْمُهُ ، فَيَكُونُ بَعْضُهُ وَاجِبًا ، وَبَعْضُهُ نَدْبًا ، فَلَمَّا حُمِلَ عَلَى النَّدْبِ فِيمَا قَلَّ عَنِ الْقِيمَةِ ، وَجَبَ أَنْ يُقْرَنَ مَحْمُولًا عَلَيْهِ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا . وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923215لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ ، فَاقْتَضَى هَذَا الظَّاهِرُ أَلَّا يُجْبَرَ السَّيِّدُ عَلَى إِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسِهِ ، وَكَالتَّدْبِيرِ الَّذِي لَا إِجْبَارَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُمَا عِتْقُ صِفَةٍ .
فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِوُجُوبِ الْإِيتَاءِ فَعَنْهُ جَوَابَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْمَنْدُوبُ إِلَيْهِ شُرُوطًا وَاجِبَةً كَالطَّهَارَةِ لِصَلَاةِ النَّافِلَةِ ، كَذَلِكَ الْإِيتَاءُ فِي الْكِتَابَةِ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَتِ الْكِتَابَةُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَخْتَلِفَ الْأَمْرُ بِهَا عِنْدَهُمْ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ فَحَمَلُوهُ فِي الْكِتَابَةِ عَلَى الْخُصُوصِ ، وَفِي الْإِيتَاءِ عَلَى الْعُمُومِ ، جَازَ أَنْ يَخْتَلِفَا عِنْدَنَا فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ ، فَحُمِلَ الْكِتَابَةُ عَلَى النَّدْبِ ، وَالْإِيتَاءُ عَلَى الْوُجُوبِ .
وَجَوَابٌ ثَالِثٌ : وَهُوَ أَنَّ الْكِتَابَةَ مُعَاوَضَةٌ وَأُصُولُ الشَّرْعِ تَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ وَالْإِيتَاءُ مُوَاسَاةٌ وَأُصُولُ الشَّرْعِ لَا تَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الْمُوَاسَاةِ كَالزَّكَاةِ .
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِإِجْبَارِ
أَنَسٍ عَلَى كِتَابَةِ
سِيرِينَ فَلَا إِجْمَاعَ فِيهِ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ ، وَقَوْلُ
عُمَرَ لَا يَحُجُّ
أَنَسًا فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ . وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِمَا فِيهِ مِنْ صَلَاحِ النُّفُوسِ كَالْمُضْطَرِّ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ مَا تَعَلَّقَ بِاخْتِيَارِ الطَّالِبِ فِي مَصَالِحِ نَفْسِهِ بِحَالِ الْمُضْطَرِّ فِي حِفْظِ مَتَاعِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ يَجِبُ عَلَيْهِ حِرَاسَةُ نَفْسِهِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَدْعُوَ إِلَى كِتَابَتِهِ فَلَمَّا افْتَرَقَا فِي حُكْمِ الطَّالِبِ ، وَجَبَ أَنْ يَفْتَرِقَا فِي حُكْمِ الْمَطْلُوبِ .