مسألة : قال
الشافعي ، رضي الله عنه : "
nindex.php?page=treesubj&link=7468ولا يجوز على أقل من نجمين " .
قال
الماوردي : أما الأجل فهو شرط في صحة الكتابة ، لا يجوز أن تعقد حالة .
وقال
أبو حنيفة ومالك ليس الأجل بشرط في صحتها وتجوز حالة ومؤجلة استدلالا بقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ، ومن ذلك دليلان : أحدهما : عموم قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33فكاتبوهم " ، ولم يفرق بين حال ومؤجل .
والثانى : قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33إن علمتم فيهم خيرا ( النور : 33 ) ، والخير المال فجعل العقد مشروطا به .
قالوا : ولأنه عتق بعوض فاقتضى أن يجوز حالا ومؤجلا .
كما لو باع عبده على نفسه بثمن حال أو مؤجل صح وعتق ، وكذلك الكتابة .
[ ص: 147 ] قالوا : ولأنه عقد على عين فصح حالا ومؤجلا كالبيع .
قالوا : ولأنه إسقاط حق ؛ لأن السيد قد أسقط بها حقه من كسب عبده فلم يفتقر إلى أجل كالإبراء .
قالوا : ولأن دخول الأجل غرر ، فإذا صح العقد معه ، لزمكم على قولكم في السلم أن تجعلوه لخلوه من الأجل أصح ؛ لأن
الشافعي يقول فيه : إذا جاز مؤجلا كان حالا أجوز ؛ لأنه من الغرر أبعد .
ودليلنا : قول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم إلى قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33فيهم خيرا " ، ( النور : 33 ) ، . فسماها كتابة وأفردها بهذا الاسم من غيرها من العقود . والعقد إذا أفرد باسم وجب أن يختص بمعنى ذلك الاسم ، كالسلم سمي سلما ، لوجوب تسليم جميع الثمن كذلك الكتابة سميت كتابة لوجوب الكتابة .
والكتابة إنما ندبنا إليها في الحقوق المؤجلة دون المعجلة ألا تراه قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ( البقرة : 282 ) ، وقال في المعجلة :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها ، ( البقرة : 282 ) ، فدل اختصاص هذا العقد باسم الكتابة على اختصاصه بحكم التأجيل .
وفي هذا انفصال عن الاستدلال بعموم الآية ونهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغرر .
والغرر : ما تردد بين جوازين أخوفهما أغلبهما والكتابة الحالة غرر لأن الأغلب من أحوال المكاتب عجزه عنها فكان عقدها باطلا ويتحرر من اعتلال هذا الخبر قياس . فنقول : عقد معاوضة يتعذر فيه تسليم المعقود عليه وقت استحقاقه ، فوجب أن يكون باطلا كبيع العبد الآبق ، وكالسلم إلى أجل يتحقق عدمه فيه ولا يفسد بنكاح الصغيرة لأن تسليمها يستحق عند إمكان الاستمتاع بها . فإن قيل : هذا فاسد بالبيع على معسر يتعذر عليه تسليم الثمن ولا يوجب فساد البيع .
قيل : إعساره في الظاهر لا يوجب إعساره في الباطن ، لجواز أن يملك ما لا يعلم وإعسار المكاتب في الظاهر والباطن ؛ لأنه لا يجوز أن يملك قبل كتابته ، فافترقا في تعيين الإعسار ، فلذلك افترقا في الجواز .
فإن قيل : يفسد من وجه آخر وهو إذا كاتبه على مال كثير يؤديه في نجمين مقدرين بساعتين من يوم تتعذر منه القدرة عليه ، وتصح كتابته .
وكذلك في المعجل قيل : يمكنه قبل استحقاق النجم أن يؤجر نفسه ثلاثين سنة بقدر كتابته ، ولا يمكنه ذلك في الحال المعجل فافترقا .
[ ص: 148 ] فإن قيل : يفسد من وجه آخر وهو إذا باع عبده على نفسه بألف حالة صح ، وعتق وإن تعذر عليه دفع الثمن ، قيل : قد خرج فيه
ابن أبي هريرة وجها محتملا : أن البيع يبطل لهذا المعنى ، فيكون الاعتراض به فاسدا .
والظاهر من مذهب
الشافعي جوازه ، وقد نص عليه في كتاب الإقرار فقال : ولو
nindex.php?page=treesubj&link=7495قال لعبده : بعتك نفسك بألف فجحده العبد عتق عليه ؛ لأنه مقر بالعتق مدع للثمن . قيل : مقصود هذا البيع العتق وقد حصل .
فإن قيل : وكذلك الكتابة مقصودها العتق فوجب أن يصح .
قيل : الفرق بينهما أن العتق في الكتابة يحصل بعد الأداء ، والعتق في البيع يحصل قبل الأداء ، فجاز أن تبطل الكتابة بتعذر الأداء وإن لم يبطل به البيع ، وفي هذا انفصال عن استدلالهم به . ولأن الأجل في الكتابة إجماع دل عليه فعل الصحابة رضي الله عنهم لأنهم كاتبوا عبيدهم مجمعين فيها على التأجيل ، ولم يعقدها أحد منهم حالة ، ولو جاز حلولها لتفرد بها بعضهم مع اختلاف الأغراض ، وغضب
عثمان بن عفان رضي الله عنه على عبد له وأراد التضييق عليه . فقال : والله لأكاتبنك على نجمين فلو جازت حالة ، أو على أقل من نجمين لكان أحق بالتضييق عليه .
فأما : الجواب عن قول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33إن علمتم فيهم خيرا ، ( النور : 133 ) فإن الخير هو المال فهو أن
الشافعي قد أبطل هذا التأويل من وجهين :
أحدهما : أن العبد لا ملك له على قول من لم يجعله مالكا ، ولا على قول من جعله مالكا ؛ لأن سيده أخذه منه .
والثاني : أنه لو أراد المال لقال : إن علمتم لهم خيرا ؛ لأن المال يكون له ولا يكون فيه ، وإنما الذي فيه ما تأوله
الشافعي من الاكتساب والأمانة ، ثم لو صح أن المراد به المال لما دل على جواز التعجيل ، ولكان بالتأجيل أحق حتى يجد المال .
وأما قياسهم على البيع ، فالمعنى فيه وجود المقصود به في الحلول والتأجيل ، وكذلك استدلالهم بالإبراء ؛ لأن مقصوده لا يتعذر ، ولأن الإبراء لا يجوز تعليقه عندنا بأجل وإن دخل في الكتابة فافترقا .
وأما السلم : فقد أجمعنا وهم على الفرق بين الكتابة والسلم لأنهم منعوا من حلول السلم وجوزوا حلول الكتابة ، ونحن منعنا من حلول الكتابة ، وجوزنا حلول السلم فصارا مفترقين على قولينا معا ، فلم يجز أن يستشهد بأحدهما على الآخر . ثم معنى الفرق بينهما عندنا أن الغرر ينتفي عن تعجيل السلم فجوزناه ، ويدخل في حلول الكتابة فأبطلناه .
[ ص: 149 ]
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : "
nindex.php?page=treesubj&link=7468وَلَا يَجُوزُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَجْمَيْنِ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : أَمَّا الْأَجَلُ فَهُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْكِتَابَةِ ، لَا يَجُوزُ أَنْ تُعْقَدَ حَالَّةً .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لَيْسَ الْأَجَلُ بِشَرْطٍ فِي صِحَّتِهَا وَتَجُوزُ حَالَّةً وَمُؤَجَّلَةً اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ، وَمِنْ ذَلِكَ دَلِيلَانِ : أَحَدُهُمَا : عُمُومُ قَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33فَكَاتِبُوهُمْ " ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حَالٍّ وَمُؤَجَّلٍ .
والثانِى : قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ( النُّورِ : 33 ) ، وَالْخَيْرُ الْمَالُ فَجُعِلَ الْعَقْدُ مَشْرُوطًا بِهِ .
قَالُوا : وَلِأَنَّهُ عِتْقٌ بِعِوَضٍ فَاقْتَضَى أَنْ يَجُوزَ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا .
كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِثَمَنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ صَحَّ وَعَتَقَ ، وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ .
[ ص: 147 ] قَالُوا : وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى عَيْنٍ فَصَحَّ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا كَالْبَيْعِ .
قَالُوا : وَلِأَنَّهُ إِسْقَاطُ حَقٍّ ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ قَدْ أَسْقَطَ بِهَا حَقَّهُ مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى أَجَلٍ كَالْإِبْرَاءِ .
قَالُوا : وَلِأَنَّ دُخُولَ الْأَجَلِ غَرَرٌ ، فَإِذَا صَحَّ الْعَقْدُ مَعَهُ ، لَزِمَكُمْ عَلَى قَوْلِكُمْ فِي السَّلَمِ أَنْ تَجْعَلُوهُ لِخُلُوِّهِ مِنَ الْأَجَلِ أَصَحَّ ؛ لِأَنَّ
الشَّافِعِيَّ يَقُولُ فِيهِ : إِذَا جَازَ مُؤَجَّلًا كَانَ حَالًّا أَجْوَزَ ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْغَرَرِ أَبْعَدُ .
وَدَلِيلُنَا : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِلَى قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33فِيهِمْ خَيْرًا " ، ( النُّورِ : 33 ) ، . فَسَمَّاهَا كِتَابَةً وَأَفْرَدَهَا بِهَذَا الِاسْمِ مِنْ غَيْرِهَا مِنَ الْعُقُودِ . وَالْعَقْدُ إِذَا أُفْرِدَ بِاسْمٍ وَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ بِمَعْنَى ذَلِكَ الِاسْمِ ، كَالسَّلَمِ سُمِّيَ سَلَمًا ، لِوُجُوبِ تَسْلِيمِ جَمِيعِ الثَّمَنِ كَذَلِكَ الْكِتَابَةُ سُمِّيَتْ كِتَابَةً لِوُجُوبِ الْكِتَابَةِ .
وَالْكِتَابَةُ إِنَّمَا نَدَبْنَا إِلَيْهَا فِي الْحُقُوقِ الْمُؤَجَّلَةِ دُونَ الْمُعَجَّلَةِ أَلَا تَرَاهُ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ( الْبَقَرَةِ : 282 ) ، وَقَالَ فِي الْمُعَجَّلَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ، ( الْبَقَرَةِ : 282 ) ، فَدَلَّ اخْتِصَاصُ هَذَا الْعَقْدِ بِاسْمِ الْكِتَابَةِ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِحُكْمِ التَّأْجِيلِ .
وَفِي هَذَا انْفِصَالٌ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ بِعُمُومِ الْآيَةِ وَنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْغَرَرِ .
وَالْغَرَرُ : مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ جَوَازَيْنِ أَخْوَفُهُمَا أَغْلَبُهُمَا وَالْكِتَابَةُ الْحَالَّةُ غَرَرٌ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ أَحْوَالِ الْمُكَاتَبِ عَجْزُهُ عَنْهَا فَكَانَ عَقْدُهَا بَاطِلًا وَيَتَحَرَّرُ مِنِ اعْتِلَالِ هَذَا الْخَبَرِ قِيَاسٌ . فَنَقُولُ : عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَتَعَذَّرُ فِيهِ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَقْتَ اسْتِحْقَاقِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا كَبَيْعِ الْعَبْدِ الْآبِقِ ، وَكَالسَّلَمِ إِلَى أَجَلٍ يَتَحَقَّقُ عَدَمُهُ فِيهِ وَلَا يَفْسُدُ بِنِكَاحِ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّ تَسْلِيمَهَا يُسْتَحَقُّ عِنْدَ إِمْكَانِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا . فَإِنْ قِيلَ : هَذَا فَاسِدٌ بِالْبَيْعِ عَلَى مُعْسِرٍ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ وَلَا يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ .
قِيلَ : إِعْسَارُهُ فِي الظَّاهِرِ لَا يُوجِبُ إِعْسَارَهُ فِي الْبَاطِنِ ، لِجَوَازِ أَنْ يَمْلِكَ مَا لَا يُعْلَمُ وَإِعْسَارُ الْمُكَاتَبِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ قَبْلَ كِتَابَتِهِ ، فَافْتَرَقَا فِي تَعْيِينِ الْإِعْسَارِ ، فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا فِي الْجَوَازِ .
فَإِنْ قِيلَ : يَفْسُدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ إِذَا كَاتَبَهُ عَلَى مَالٍ كَثِيرٍ يُؤَدِّيهِ فِي نَجْمَيْنِ مُقَدَّرَيْنِ بِسَاعَتَيْنِ مِنْ يَوْمٍ تَتَعَذَّرُ مِنْهُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ ، وَتَصِحُّ كِتَابَتُهُ .
وَكَذَلِكَ فِي الْمُعَجَّلِ قِيلَ : يُمْكِنُهُ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِ النَّجْمِ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً بِقَدْرِ كِتَابَتِهِ ، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فِي الْحَالِّ الْمُعَجَّلِ فَافْتَرَقَا .
[ ص: 148 ] فَإِنْ قِيلَ : يَفْسُدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ إِذَا بَاعَ عَبْدَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ صَحَّ ، وَعَتَقَ وَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ دَفْعُ الثَّمَنِ ، قِيلَ : قَدْ خَرَّجَ فِيهِ
ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجْهًا مُحْتَمَلًا : أَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ لِهَذَا الْمَعْنَى ، فَيَكُونُ الِاعْتِرَاضُ بِهِ فَاسِدًا .
وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ
الشَّافِعِيِّ جَوَازُهُ ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ فَقَالَ : وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=7495قَالَ لِعَبْدِهِ : بِعْتُكَ نَفْسَكَ بِأَلْفٍ فَجَحَدَهُ الْعَبْدُ عَتَقَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِالْعِتْقِ مُدَّعٍ لِلثَّمَنِ . قِيلَ : مَقْصُودُ هَذَا الْبَيْعِ الْعِتْقُ وَقَدْ حَصَلَ .
فَإِنْ قِيلَ : وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ مَقْصُودُهَا الْعِتْقُ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ .
قِيلَ : الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعِتْقَ فِي الْكِتَابَةِ يَحْصُلُ بَعْدَ الْأَدَاءِ ، وَالْعِتْقَ فِي الْبَيْعِ يَحْصُلُ قَبْلَ الْأَدَاءِ ، فَجَازَ أَنْ تَبْطُلَ الْكِتَابَةُ بِتَعَذُّرِ الْأَدَاءِ وَإِنْ لَمْ يَبْطُلْ بِهِ الْبَيْعُ ، وَفِي هَذَا انْفِصَالٌ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِهِ . وَلِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الْكِتَابَةِ إِجْمَاعٌ دَلَّ عَلَيْهِ فِعْلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِأَنَّهُمْ كَاتَبُوا عَبِيدَهُمْ مُجْمِعِينَ فِيهَا عَلَى التَّأْجِيلِ ، وَلَمْ يَعْقِدْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ حَالَّةً ، وَلَوْ جَازَ حُلُولُهَا لَتَفَرَّدَ بِهَا بَعْضُهُمْ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ ، وَغَضِبَ
عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى عَبْدٍ لَهُ وَأَرَادَ التَّضْيِيقَ عَلَيْهِ . فَقَالَ : وَاللَّهِ لَأُكَاتِبَنَّكَ عَلَى نَجْمَيْنِ فَلَوْ جَازَتْ حَالَّةً ، أَوْ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَجْمَيْنِ لَكَانَ أَحَقَّ بِالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِ .
فَأَمَّا : الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ، ( النُّورِ : 133 ) فَإِنَّ الْخَيْرَ هُوَ الْمَالُ فَهُوَ أَنَّ
الشَّافِعِيَّ قَدْ أَبْطَلَ هَذَا التَّأْوِيلَ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْعَبْدَ لَا مِلْكَ لَهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ مَالِكًا ، وَلَا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ مَالِكًا ؛ لِأَنَّ سَيِّدَهُ أَخَذَهُ مِنْهُ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْمَالَ لَقَالَ : إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ خَيْرًا ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَكُونُ لَهُ وَلَا يَكُونُ فِيهِ ، وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ مَا تَأَوَّلَهُ
الشَّافِعِيُّ مِنَ الِاكْتِسَابِ وَالْأَمَانَةِ ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَالُ لَمَا دَلَّ عَلَى جَوَازِ التَّعْجِيلِ ، وَلَكَانَ بِالتَّأْجِيلِ أَحَقَّ حَتَّى يَجِدَ الْمَالَ .
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْبَيْعِ ، فَالْمَعْنَى فِيهِ وُجُودُ الْمَقْصُودِ بِهِ فِي الْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ ، وَكَذَلِكَ اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْإِبْرَاءِ ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ لَا يَتَعَذَّرُ ، وَلِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ عِنْدَنَا بِأَجَلٍ وَإِنْ دَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ فَافْتَرَقَا .
وَأَمَّا السَّلَمُ : فَقَدْ أَجْمَعْنَا وَهُمْ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْكِتَابَةِ وَالسَّلَمِ لِأَنَّهُمْ مَنَعُوا مِنْ حُلُولِ السَّلَمِ وَجَوَّزُوا حُلُولَ الْكِتَابَةِ ، وَنَحْنُ مَنَعْنَا مِنْ حُلُولِ الْكِتَابَةِ ، وَجَوَّزْنَا حُلُولَ السَّلَمِ فَصَارَا مُفْتَرِقَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنَا مَعًا ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَشْهَدَ بِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ . ثُمَّ مَعْنَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عِنْدَنَا أَنَّ الْغَرَرَ يَنْتَفِي عَنْ تَعْجِيلِ السَّلَمِ فَجَوَّزْنَاهُ ، وَيَدْخُلُ فِي حُلُولِ الْكِتَابَةِ فَأَبْطَلْنَاهُ .
[ ص: 149 ]