مسألة : قال  الشافعي   ، رضي الله عنه : " ولا يجوز بيع رقبة المكاتب فإن قيل      [ ص: 248 ] بيعت   بريرة  ، قيل : هي المساومة بنفسها  عائشة  رضي الله عنها والمخبرة بالعجز بطلبها أوقية والراضية بالبيع " .  
قال  الماوردي      : اختلف الفقهاء في  بيع رقبة المكاتب   ، فقال  مالك      : يجوز بيعه ، ويكون ولاؤه إن عتق للمشتري ، وحكاه  أبو ثور   عن  الشافعي   في القديم .  
وبه قال  عطاء   والنخعي   وأحمد بن حنبل      .  
وقال  أبو ثور      : يجوز بيعه ، ويكون ولاؤه إن عتق للبائع .  
وقال  الشافعي   في الجديد وسائر كتبه : إن بيعه لا يجوز .  
وبه قال  أبو حنيفة      .  
وقال  الزهري   وربيعة      : يجوز بيع المكاتب بإذنه ، ولا يجوز بيعه بغير إذنه .  
واستدل من ذهب إلى جواز بيعه برواية  هشام بن عروة   عن أبيه ، عن  عائشة  قالت :  كوتبت   بريرة  على تسع أواق في كل سنة أوقية ، فجاءت إلى  عائشة  رضي الله عنها تستعينها ، فقالت  عائشة     : لا ، ولكن إن شئت عددت لهم مالهم عدة واحدة ، ويكون الولاء لي ، فذهبت   بريرة  إلى أهلها ، فذكرت لهم ذلك ، فأبوا عليها إلا أن يكون الولاء لهم ، فجاءت إلى  عائشة  وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فسارتها بما قيل لها : فقالت  عائشة  رضي الله عنها : لا آذن إلا أن يكون الولاء لي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما ذاك ؟ فقالت : أتتني   بريرة  تستعينني في كتابتها ، فقلت : لا إلا أن يشاء أهلك أن أعد لهم عدة واحدة ويكون الولاء لي ، فذهبت إليهم ، فقالوا : لا إلا أن يكون الولاء لنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ابتاعيها وأعتقيها ، واشترطي لهم الولاء فإن الولاء لمن أعتق " فاشترتها ، فأعتقتها ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : " ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط ، قضاء الله أحق ، وشرط الله أوثق ، ما بال رجال منكم يقولون : أعتق فلانا والولاء لي ، إنما الولاء لمن أعتق     " . وكان زوجها عبدا فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختارت نفسها ، ولو كان حرا لم يخيرها ، هذا الحديث في سنن  الدراقطني   ، وهو نص في جواز بيع المكاتب ، ولأن المكاتب كالعبد في عامة أحكامه ، فوجب أن يكون كالعبد في جواز بيعه ، ولأن الكتابة عتق بصفة ، وذلك لا يمنع من جواز البيع ، كما لو قال : إن دخلت الدار فأنت حر ، والدليل على فساد بيعه ما قدمناه من المعاني الخمسة في فساد بيع نجومه ، ولأن السيد قد عاوض على رقبته بكتابته حتى زال ملكه عن أرش الجناية عليه ، فوجب أن يكون ممنوعا من بيعه ، كالعبد المبيع ، ولأن البيع إن توجه إلى نجوم الكتابة فقد أبطلناه ، لأن ملك السيد عليها غير مستقر ، وإن توجه إلى الرقبة اقتضى أن      [ ص: 249 ] تكون نجوم الكتابة للسيد البائع ، لخروجها من البيع ، وإن توجه إليها لم يجز ، لأن مال العبد مملوك ، وهو لا يدخل في البيع ، وما أفضى إلى هذا وجب أن يكون باطلا ، ولأن بيعه لو صح لم يجز أن يعتق على مشتريه ، لأن صفة عتقه متقدمة على ملكه ، ولا على بائعه لزوال ملكه ، وفي ثبوت عتقه بالأداء دليل على فساد بيعه المنافي لحكمه ، ولأن عتقه إذا نفذ بعد بيعه مفض إلى سقوط الولاء لمستحقه ، لأنه لا يجوز أن يكون للبائع لزوال ملكه ، ولا للمشتري ، لأنه لم يعقد سبب عتقه ، وما أفضى إلى هذا فهو باطل ، ولأن عقد الكتابة يمنع من استقرار الملك على الرقبة ، لأنه مفض إلى العتق ، وعقد البيع يوجب أن يستقر ملك المشتري على المبيع فتنافى اجتماعها ، والكتابة لا تبطل بالبيع ، فوجب أن يبطل البيع بالكتابة .  
فأما الجواب عن حديث   بريرة  ، فهو أن  الكتابة غير لازمة من جهة المكاتب وإن كانت لازمة من جهة السيد   ، فصار مساومة   بريرة  لمواليها وهم  آل المغيرة   ، في ابتياع نفسها فسخا منها ، كما لو باع بشرط الخيار ثم باع ما باعه كان بيعه الثاني فسخا للبيع الأول ، كذلك يكون مساومة   بريرة  في نفسها وابتياعها فسخا ، وبيعها بعد فسخ الكتابة جائز ، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر  عائشة  بعتقها ، ولو بقيت الكتابة لعتقت بها ؟ قولهم : إن المكاتب في عامة أحواله كالعبد ، فليس ينكر أن يكون كذلك ، ولا يجوز بيعه كأم الولد ، ولأنه قد يخالف العبد في كثير من أحواله ، وإن وافقه في شيء منها .
وأما  المعتق نصفه فمخالف للمكاتب ، لأنه يملك أكسابه وأرش الجناية عليه   ، فخالف المكاتب في جواز البيع .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					