الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت ما وصفنا ، وأن الحربي ممنوع من إخراج من كاتبه في دار الإسلام ، وإن لم يمنع من إخراج من كاتبه في دار الحرب ، قيل للحربي بعد منعه من إخراج مكاتبه في دار الإسلام : أنت بالخيار بين أن تقيم في دار الإسلام لاستيداء مال الكتابة ، وبين أن توكل من يقبضه لك ، فترجع إلى دار الحرب ، فإن أراد المقام في دار الإسلام منع من استدامة مقامه إلا بجزية يؤديها عن رقبته ، ليصير له بعد الأمان ذمة بالجزية ، فإن استأدى مال الكتابة عتق المكاتب ، ولم يكن له أن يقيم بعد عتقه ، إلا بجزية ، لأنه قد صار حرا معتبرا بجزية نفسه ، وإن عجز المكاتب عاد عبدا ، ولم تلزمه الجزية ، لأنه تبع لسيده ، ولو عاد المكاتب بعد عتقه إلى دار الحرب ، فسبي جاز استرقاقه ، وإن كان عليه ولاء لذمي ، بخلاف من كان ولاؤه لمسلم ، لأن الذمي يجوز أن يسترق ، فلذلك جاز استرقاق مولاه ، والمسلم لا يجوز أن يسترق فلم يجز أن يسترق مولاه ، فإن وكل هذا الحربي من ينوب عنه في قبض الكتابة ، وعاد إلى دار الحرب قام وكيله في قبض مال الكتابة مقامه ، فإذا أدى المكاتب إليه مال الكتابة عتق ، وكان ولاؤه لسيده ، وإن عجز رق ، وكان ملكا لسيده ، فلو كان المكاتب على حاله ، فنقض سيده الأمان في دار الحرب ، وخرج إلينا محاربا ، فهل يغنم مكاتبه أم لا ؟ على قولين حكاهما ابن أبي هريرة :

                                                                                                                                            أحدهما : يغنم هذا المكاتب ، لأنه ممنوع بأمان السيد ، فإذا ارتفع أمانه بنقض العهد زال المنع ، فعلى هذا يؤدي المكاتب مال الكتابة إلى بيت المال ، لأنه فيء يصرف مال الأداء مصرف الفيء ، وإن عجز رق ، وكان قنا .

                                                                                                                                            والقول الثاني : لا يغنم المكاتب ، ويكون الأمان مستبقى في حقه ، لأنه قد يجوز أن يكون للحربي أمان على ماله دون نفسه وأمان على نفسه دون ماله ، وأمان على نفسه وماله ، فكذلك جاز إذا انتقض أمانه في نفسه جاز أن يكون باقيا في ماله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية