القسم الثاني .
ما يخص ضرره المعامل .
فكل ما يستضر به المعامل فهو ظلم وإنما العدل لا يضر بأخيه المسلم والضابط الكلي فيه أن لا يحب لأخيه إلا ما يحب لنفسه فكل ما لو عومل به شق عليه ، وثقل على قلبه فينبغي أن لا يعامل غيره به ، بل ينبغي أن يستوي عنده درهمه ودرهم غيره .
قال بعضهم من باع أخاه شيئا بدرهم ، وليس يصلح له لو اشتراه لنفسه إلا بخمسة دوانق فإنه قد ترك النصح المأمور به في المعاملة ، ولم يحب لأخيه ما يحب لنفسه هذه جملته .
فأما تفصيله ، ففي أربعة أمور .
أن لا يثني على السلعة بما ليس فيها وأن . وأن لا . لا يكتم من عيوبها وخفايا صفاتها شيئا أصلا وأن . : يكتم في وزنها ومقدارها شيئا
أما الأول فهو : ترك الثناء فإن وصفه للسلعة إن كان بما ليس فيها فهو كذب فإن قبل المشتري ذلك فهو تلبيس وظلم ، مع كونه كذبا وإن لم يقبل فهو كذب ، وإسقاط مروءة ، إذ الكذب الذي لا يروج قد لا يقدح في ظاهر المروءة وإن أثنى على السلعة بما فيها فهو هذيان وتكلم بكلام لا يعنيه وهو محاسب على كل كلمة تصدر منه أنه لم تكلم بها . لا يكتم من سعرها ما لو عرفه المعامل لامتنع عنه .
؟ قال الله تعالى : ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد إلا أن يثني على السلعة بما فيها مما لا يعرفه المشتري ما لم يذكره كما يصفه من خفي أخلاق العبيد ، والجواري ، والدواب فلا بأس بذكر القدر الموجود منه ، من غير مبالغة ، وإطناب وليكن قصده منه : أن يعرفه أخوه المسلم ، فيرغب فيه وتنقضي بسببه حاجته ، ولا ينبغي أن يحلف عليه البتة فإنه إن كان كاذبا فقد جاء باليمين الغموس وهي من الكبائر التي تذر الديار بلاقع وإن كان صادقا فقد جعل الله تعالى عرضة لأيمانه ، وقد أساء فيه إذ الدنيا أخس من أن يقصد ترويجها بذكر اسم الله ، من غير ضرورة وفي الخبر : ويل للتاجر من بلى والله ، ولا والله ، وويل للصانع من غد ، وبعد .
وفي الخبر : اليمين الكاذبة منفقة للسلعة ممحقة للبركة .
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة عتل مستكبر ومنان بعطيته ومنفق سلعته بيمينه . أبو هريرة رضي الله عنه
فإذا كان الثناء على السلعة مع الصدق مكروها ، من حيث إنه فضول لا يزيد في الرزق فلا يخفى التغليظ في أمر اليمين وقد روي عن يونس بن عبيد وكان خزازا أنه طلب منه خز للشراء ، فأخرج غلامه سقط الخز ، ونشره ، ونظر إليه ، وقال : اللهم ارزقنا الجنة ، فقال لغلامه : رده إلى موضعه ، ولم يبعه ، وخاف أن يكون ذلك تعريضا بالثناء على السلعة فمثل هؤلاء الذين اتجروا في الدنيا ، ولم يضيعوا دينهم في تجاراتهم بل علموا أن
ربح الآخرة أولى بالطلب من ربح الدنيا .