الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر مائة مرة ثم يصلي الفريضة مراعيا جميع ما ذكرناه من الآداب الباطنة والظاهرة في الصلاة والقدوة فإذا فرغ منها قعد في المسجد إلى طلوع الشمس في ذكر الله تعالى كما سنرتبه فقد قال صلى الله عليه وسلم : لأن أقعد في مجلسي أذكر الله تعالى فيه من صلاة الغداة إلى طلوع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب " وروي أنه " صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الغداة قعد في مصلاه حتى تطلع الشمس وفي بعضها ، ويصلي ركعتين أي بعد الطلوع وقد ورد في فضل ذلك ما لا يحصى وروى الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيما يذكره من رحمة ربه يقول : إنه قال : " يا ابن آدم اذكرني بعد صلاة الفجر ساعة وبعد صلاة العصر ساعة أكفك ما بينهما وإذا " ظهر فضل ذلك فليقعد

التالي السابق


( و) يقول في التسبيح: ( سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر مائة مرة) وهن الباقيات الصالحات، وهي أربع كلمات، وقد ورد في فضلها ما تقدم ذكره، وما رأيت هذا التقييد بالمائة مرة فيما ورد من رواياته، نعم، روى الديلمي عن عبد الله بن عمرو مرفوعا: "من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة قبل طلوع الشمس ومائة قبل غروبها كان أفضل من مائة بدنة" وهذه السبعون والمائة في الاستغفار والتسبيح إن وجد وقتا يسع ذلك، وكان سريع القراءة، وإلا فليكتف بما قدر عليه .

( ثم يشتغل بالفريضة فيصلي ركعتي الفرض) مع الإمام ( مراعيا جميع ما ذكرناه من الآداب الظاهرة والباطنة في الصلاة والقدوة) أي: الاقتداء، ومر ذلك في كتاب الصلاة مفصلا ( فإذا فرغ منها) أي: من الفريضة وما يتبعها من الأذكار الملازمة لها عادة ( قعد في المسجد) الذي صلى فيه ( إلى طلوع الشمس) وهو ( في ذكر الله) عز وجل ( كما بينته) آنفا ( فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: لأن أقعد في مجلس أذكر الله فيه من صلاة الغداة إلى طلوع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب") رواه أبو داود من حديث أنس -رضي الله عنه- وتقدم في الباب الثالث من العلم .

( وروي "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان صلى الغداة قعد في مصلاه حتى تطلع الشمس") رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه ( وفي بعض الأخبار: ويصلي ركعتين) أي: بعد الطلوع، فقد روى الترمذي من حديث أنس وحسنه: "من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة" وقد تقدم قريبا .

( وقد روي في فضل ذلك ما لا يحصى) ولفظ القوت: وجاء من فضائل الجلوس بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس، وفي صلاة ركعتين بعد ذلك ما يجل وصفه، اختصرنا ذكره. اهـ .

فمن ذلك:

ما رواه أبو داود والطبراني من حديث سهل بن معاذ بن أنس الجهني، عن أبيه مرفوعا: "من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى، لا يقول إلا خيرا، غفر له خطاياه وإن كانت أكثر من زبد البحر".

وعن علي -رضي الله عنه-: "من صلى الفجر، ثم جلس في مصلاه يذكر الله، صلت عليه الملائكة، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه" رواه أحمد وابن جرير، وصححه، والبيهقي .

وعن الحسن بن علي -رضي الله عنهما-: "من صلى الصبح ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، جعل الله بينه وبين النار سترا" رواه البيهقي. وفي رواية له بعد قوله: "الشمس": "ثم قام يصلي ركعتين حرمه الله على النار أن تلفحه".

وعن أبي أمامة وعقبة بن عامر -رضي الله عنهما-: "من صلى الصبح في مسجد جماعة، ثم مكث حتى سبح سبحة الضحى، كان له كأجر حاج ومعتمر تام له حجه وعمرته" رواه الطبراني في الكبير عنهما معا .

وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- وحده: "من صلى صلاة الغداة في جماعة، ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم قام ركع ركعتين، انقلب بأجر حجة وعمرة" رواه الطبراني في الكبير .

وعن سهل بن معاذ، عن أبيه: "من صلى صلاة الفجر، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، وجبت له الجنة" ورواه ابن السني وابن النجار.

وعن عائشة -رضي الله عنها-: "من صلى الفجر فقعد في مقعده فلم يلغ بشيء من أمر الدنيا يذكر الله -عز وجل- حتى يصلي أربع ركعات، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" رواه ابن السني.

( وروى الحسن) البصري مرسلا ( أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان فيما يذكر من رحمة الله يقول: إنه يقول: "يا ابن آدم اذكرني من بعد صلاة الفجر ساعة وبعد صلاة العصر ساعة أكفك ما بينهما") أورده صاحب القوت فقال: وروينا عن الحسن، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان فيما يذكر من رحمة ربه أنه قال، فذكره .

وقال العراقي: رواه ابن المبارك في الزهد مرسلا هكذا. اهـ .

قلت: وقد روي ذلك مرفوعا عن ابن عباس، تقدمت الإشارة إليه في الكتاب الذي قبله .

( فإذا ظهر فضل ذلك فليقعد) في موضعه، قال صاحب القوت: هذا إن أمن الفتنة بالكلام فيما لا يعنيه، والاستماع إلى شبهه من القول، وأمن النظر إلى ما يكره، أو يشغله [ ص: 129 ] عن الذكر، وأمن دخول الآفة عليه من التصنع والتزين للناس، وردف الشغل بمولاه والإخلاص له بالإعراض عمن سواه .

وإن لم يأمن الفتنة، أو خشي عليه دخول الآفة من لقاء من يكره، أو من يلجئه إلى تقية أو مداراة، أو خاف الكلام فيما لا يعنيه، أو الاستماع إلى ما لا يندب إليه، انصرف إذا صلى الغداة إلى منزله، أو إلى موضع خلوة ويتم ورده هناك، وهو في ذلك مستقبل قبلته، وهذا حينئذ أفضل له وأجمع لقلبه. اهـ .

وقال صاحب العوارف في أول الباب "الخمسون" في ذكر العمل في جميع النهار وتوزيع الأوقات ما نصه: فمن ذلك أن يلازم موضعه الذي صلى فيه مستقبل القبلة، إلا أن يرى الانتقال إلى زاويته أسلم لدينه؛ لئلا يحتاج إلى حديث أو التفات إلى شيء، فإن السكوت في هذا الوقت له أثر ظاهر يجده أرباب القلوب، وأهل المعاملة. اهـ .




الخدمات العلمية