الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
41 - ( 3 ) - حديث : { لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب } الشافعي في سنن حرملة ، وأحمد والبخاري في تاريخه ، والأربعة [ ص: 77 ] والدارقطني والبيهقي وابن حبان ، عن عبد الله بن عكيم ( قال ) : { أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته : ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب }وفي رواية الشافعي وأحمد وأبي داود ، قبل موته بشهر ، ورواية لأحمد : بشهر أو شهرين ، قال الترمذي : حسن ، وكان أحمد يذهب إليه ويقول : هذا آخر الأمر ، ثم تركه لما اضطربوا في إسناده ، حيث روى بعضهم فقال : عن ابن عكيم ، عن أشياخ من جهينة ، وقال الخلال : لما رأى أبو عبد الله تزلزل الرواة فيه ، توقف فيه .

وقال ابن حبان : بعد أن أخرجها : هذه اللفظة أوهمت عالما من الناس ، أن هذا الخبر ليس بمتصل ، وليس كذلك ، بل عبد الله بن عكيم شهد كتاب رسول صلى الله عليه وسلم حيث قرئ عليهم في جهينة ، وسمع مشايخ جهينة يقولون ذلك ، وقال البيهقي والخطابي : هذا الخبر مرسل . وقال ابن أبي حاتم في العلل ، عن أبيه : ليست لعبد الله بن عكيم صحبة ، وإنما روايته كتابة ، وأغرب الماوردي فزعم أنه نقل عن علي بن المديني : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ، ولعبد الله بن عكيم سنة ، وقال صاحب الإمام : تضعيف من ضعفه ليس من قبل الرجال ، فإنهم كلهم ثقات ، وإنما ينبغي أن يحمل الضعف على الاضطراب ، نقل عن أحمد .

ومن الاضطراب فيه ما رواه ابن عدي والطبراني من حديث شبيب بن سعيد ، عن الحكم ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عنه ، ولفظه : جاءنا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بأرض جهينة : { إني كنت رخصت لكم في إهاب الميتة وعصبها ، فلا تنتفعوا بإهاب ولا عصب }إسناده [ ص: 78 ] ثقات ، وتابعه فضالة بن المفضل عند الطبراني في الأوسط .

ورواه أبو داود من حديث خالد ، عن الحكم ، عن عبد الرحمن : أنه انطلق هو وأناس معه إلى عبد الله بن عكيم فدخلوا ، وقعدت على الباب ، فخرجوا إلي ، وأخبروني : أن عبد الله بن عكيم أخبرهم ، فهذا يدل على أن عبد الرحمن ما سمعه من ابن عكيم ، لكن إن وجد التصريح بسماع عبد الرحمن منه ، حمل على أنه سمعه منه بعد ذلك .

وفي الباب عن ابن عمر ، رواه ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ ، وفيه عدي بن الفضل ، وهو ضعيف . وعن جابر ، رواه ابن وهب في مسنده ، عن زمعة بن صالح ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، وزمعة ضعيف ، ورواه أبو بكر الشافعي في فوائده من طريق أخرى ، قال الشيخ الموفق : إسناده حسن . وقد تكلم الحازمي في الناسخ والمنسوخ على الحديث فشفى ، ومحصل ما أجاب به الشافعية وغيرهم عنه التعليل بالإرسال ، وهو أن عبد الله بن عكيم لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، والانقطاع بأن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمعه من عبد الله بن عكيم ، والاضطراب في سنده ; فإنه تارة قال : عن كتاب النبي صلى الله عليه وسلم . وتارة : عن مشيخة من جهينة . وتارة : عن من قرأ الكتاب .

والاضطراب في المتن ، فرواه الأكثر من غير تقييد ، ومنهم من رواه بقيد شهر أو شهرين ، أو أربعين يوما أو ثلاثة أيام ، والترجيح بالمعارضة بأن الأحاديث الدالة على الدباغ أصح ، والقول بموجبه بأن الإهاب اسم الجلد قبل الدباغ ، وأما بعد الدباغ فيسمى شنا وقربة ، حمله على ذلك ابن عبد البر والبيهقي ، وهو منقول عن النضر بن شميل ، والجوهري وقد جزم به ، وقال ابن شاهين : لما احتمل الأمرين وجاء قوله : " أيما إهاب دبغ فقد طهر " فحملناه على الأول جمعا بين الحديثين ، والجمع بينهما بالتخصيص بأن المنهي عنه جلد الكلب والخنزير ، فإنهما لا يدبغان ، وقيل : محمول على باطن الجلد في النهي ، وعلى ظاهره في الإباحة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية