الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله تعالى : ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا قال مجاهد : " من أحياها نجاها من الهلاك " . وقال الحسن : " إذا عفا عن دمها وقد وجب القود " . وقال غيرهم من أهل العلم : " زجر عن قتلها بما فيه حياتها " . قال أبو بكر : يحتمل أن يريد بإحيائها معونة الولي على قتل القاتل واستيفاء القصاص منه حياة كما قال تعالى : ولكم في القصاص حياة ويحتمل أن يريد بإحيائها أن يقتل القاصد لقتل غيره ظلما فيكون مجيبا لهذا المقصود بالقتل ويكون كمن أحيا الناس جميعا ؛ لأن ذلك يردع القاصدين إلى قتل غيرهم عن مثله فيكون في ذلك حياة لسائر الناس من القاصدين للقتل والمقصودين به . فتضمنت هذه الآية ضروبا من الدلائل على الأحكام ، منها : دلالتها على ورود الأحكام مضمنة بمعان يجب اعتبارها بوجودها ، وهذا يدل على صحة القول بالقياس . والثاني إباحة قتل النفس بالنفس . والثالث : أن من قتل نفسا فهو مستحق للقتل . والرابع : من قصد قتل مسلم ظلما فهو مستحق القتل ؛ لأن قوله تعالى : من قتل نفسا بغير نفس كما دل على وجوب قتل النفس بالنفس فهو يدل على وجوب قتله إذا قصد قتل غيره ؛ إذ هو مقتول بنفس إرادة إتلافها . والخامس : الفساد في الأرض يستحق به القتل . والسادس احتمال قوله تعالى : فكأنما قتل الناس جميعا أن عليه مأثم كل قاتل بعده لأنه سن القتل وسهله لغيره . والسابع : أن على الناس كلهم معونة ولي المقتول حتى يقيدوه منه . والثامن : دلالتها على وجوب القود على الجماعة إذا قتلوا واحدا . والتاسع : دلالة قوله تعالى : فكأنما أحيا الناس جميعا على معونة الولي على قتل القاتل . والعاشر : دلالته أيضا على قتل من قصد قتل غيره ظلما ؛ والله أعلم بالصواب .

[ ص: 51 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية