الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا قال ابن عباس وجابر والبراء بن عازب وأنس بن مالك والحسن ومجاهد وقتادة والضحاك : ( لما حرم الخمر كان قد مات رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يشربون الخمر قبل أن تحرم ، فقالت الصحابة : كيف بمن مات منا وهم يشربونها ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية ) . وروي عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي : أن قوما شربوا بالشام وقالوا هي لنا حلال وتأولوا هذه الآية ، فأجمع عمر وعلي على أن يستتابوا فإن تابوا وإلا قتلوا .

وروى الزهري قال : أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة ، أن الجارود سيد بني عبد القيس وأبا هريرة شهدا على قدامة بن مظعون أنه شرب الخمر وأراد عمر أن يجلده ، فقال قدامة : ليس لك ذلك لأن الله تعالى يقول : ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح الآية فقال عمر : إنك قد أخطأت التأويل يا قدامة ، إذا اتقيت اجتنبت ما حرم الله تعالى عليك فلم يحكموا على قدامة بحكمهم [ ص: 129 ] على الذين شربوها بالشام ، ولم يكن حكمه حكمهم ؛ لأن أولئك شربوها مستحلين لها ، ومستحل ما حرم الله كافر ، فلذلك استتابوهم .

وأما قدامة بن مظعون فلم يشربها مستحلا لشربها ، وإنما تأول الآية على أن الحال التي هو عليها ووجود الصفة التي ذكر الله تعالى في الآية فيه مكفرة لذنوبه ، وهو قوله تعالى : ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين فكان عنده أنه من أهل هذه الآية وأنه لا يستحق العقوبة على شربها مع اعتقاده لتحريمها ولتكفير إحسانه إساءته . وأعاد ذكر الاتقاء في الآية ثلاث مرات والمراد بكل واحد منها غير المراد بالأخرى ، فأما الأول : فمن اتقى فيما سلف ، والثاني : الاتقاء منهم في مستقبل الأوقات ، والثالث : اتقاء ظلم العباد والإحسان إليهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية