الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
واختلف في بقاء حكم جواز شهادة أهل الذمة على وصية المسلم في السفر ، فقال أبو موسى وشريح : ( هي ثابتة ) وقول ابن عباس ومن قال : أو آخران من غيركم إنه من غير المسلمين ، يدل على أنهم تأولوا الآية على جواز شهادة أهل الذمة على وصية المسلم في السفر ، ولا يحفظ عنهم بقاء هذا الحكم أو نسخه وروي عن زيد بن أسلم في قوله تعالى : شهادة بينكم قال : ( كان ذلك في رجل توفي وليس عنده أحد من أهل الإسلام ، وذلك في أول الإسلام والأرض حرب والناس كفار ، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ؛ فكان الناس يتوارثون بالمدينة بالوصية ثم نسخت الوصية وفرضت الفرائض وعمل المسلمون بها ) .

وروي عن إبراهيم النخعي قال : هي منسوخة ، نسختها : وأشهدوا ذوي عدل منكم

وروى ضمرة بن جندب وعطية بن قيس قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المائدة من آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها . قال جبير بن نفير عن عائشة ، قالت : ( المائدة من آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه وما وجدتم من حرام فاستحرموه ) .

وروى أبو إسحاق عن أبي ميسرة قال : ( في المائدة ثماني عشرة فريضة وليس فيها منسوخ ) .

وقال الحسن : ( لم ينسخ من المائدة شيء ) . فهؤلاء ذهبوا إلى أنه ليس في الآية شيء منسوخ . والذي يقتضيه ظاهر الآية جواز شهادة أهل الذمة على وصية المسلم في السفر ، سواء كان في الوصية بيع أو إقرار بدين أو وصية بشيء أو هبة أو صدقة ، هذا كله يشتمل عليه اسم الوصية إذا عقده في مرضه ؛ وعلى أن الله تعالى أجاز شهادتهما عليه حين الوصية لم يخصص بها الوصية دون غيرها ، وحين الوصية قد يكون إقرار بدين أو بمال عين وغيره لم تفرق الآية بين شيء منه .

ثم قد روي أن آية الدين من آخر ما نزل من القرآن وإن كان قوم قد ذكروا أن المائدة من آخر ما نزل ، وليس يمتنع أن يريدوا بقولهم : ( من آخر ما نزل ) : من آخر سورة نزلت في الجملة ، لا على أن كل آية منها من آخر ما نزل .

وإن كان كذلك فآية الدين لا محالة ناسخة لجواز شهادة أهل الذمة على الوصية في السفر ، لقوله : إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى إلى قوله : واستشهدوا شهيدين من رجالكم وهم المسلمون لا محالة ؛ لأن الخطاب توجه إليهم باسم الإيمان ، ولم يخصص بها حال الوصية دون غيرها ، فهي عامة في الجميع ؛ ثم قال : ممن ترضون من الشهداء وليس الكفار بمرضيين في الشهادة على المسلمين ، فتضمنت آية الدين [ ص: 162 ] نسخ شهادة أهل الذمة على المسلمين في السفر وفي الحضر وفي الوصية وغيرها ؛ فانتظمت الآية جواز شهادة أهل الذمة على وصية المسلم ، ومن حيث دلت على جوازها على وصية المسلم في السفر فهي دالة أيضا على وصية الذمي ، ثم نسخ فيها جوازها على وصية المسلم بآية الدين وبقي حكمها على الذمي في السفر وغيره ؛ إذ كانت حالة السفر والحضر سواء في حكم الشهادات وعلى جواز شهادة الوصيين على وصية الميت ؛ لأن في التفسير أن الميت أوصى إليهما وأنهما شهدا على وصيته ؛ ودلت على أن القول قول الوصي فيما في يده للميت مع يمينه ؛ لأنهما على ذلك استحلفا , ودلت على أن دعواهما شرى شيء من الميت غير مقبولة إلا ببينة وأن القول قول الورثة أن الميت لم يبع ذلك منهما مع أيمانهم .

قوله تعالى : ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها يعني والله أعلم : أقرب أن لا يكتموا ولا يبدلوا ، أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم يعني : إذا حلفا ما غيرا ولا كتما ثم عثر على شيء من مال الميت عندهما ، أن تجعل أيمان الورثة أولى من أيمانهم بديا أنهما ما غيرا ولا كتما ، على ما روي عن ابن عباس في قصة تميم الداري وعدي بن بداء .

التالي السابق


الخدمات العلمية