الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( أمة بين شريكين كاتباها فوطئها أحدهما فولدت فادعاه ) الواطئ ( ثم وطئها ) الشريك ( الآخر فولدت فادعاه ) الواطئ الثاني صحت دعوته لقيام ملكه ظاهرا خلافا لهما ( فإن عجزت ) بعد ذلك جعلت الكتابة كأن لم تكن ، وحينئذ ( فهي ) في الحقيقة ( أم ولد للأول ) لزوال المانع من الانتقال ووطؤه سابق ( وضمن ) الأول ( لشريكه نصف قيمتها [ ص: 112 ] ونصف عقرها وضمن شريكه عقرها ) كاملا لوطئه أم ولد الغير حقيقة ( وقيمة الولد ) أيضا ( وهو ابنه ) لأنه بمنزلة المغرور ( وأي ) من الشريكين ( دفع العقر إلى المكاتبة صح ) أي قبل العجز لاختصاصها بمنافعها فإذا عجزت ترده للمولى ( وإن دبر الثاني ولم يطأها ) والمسألة بحالها ( فعجزت بطل التدبير وضمن الأول لشريكه نصف قيمتها ونصف عقرها ، والولد للأول ) وهي أم ولده ( وإن كاتباها فحررها أحدهما موسرا فعجزت ضمن المعتق لشريكه نصف قيمتها ورجع الضامن به عليها ) لما تقرر أن الساكت إذا ضمن المعتق يرجع عنده لا عندهما ا هـ . [ فرع ] :

عبد لرجلين دبره أحدهما ثم حرره الآخر غنيا أو عكسا أعتق المدبر إن شاء أو استسعى في الصورتين ، أو ضمن شريكه في الأولى فقط ، والله أعلم .

التالي السابق


( قوله : خلافا لهما ) حيث لا تصح دعوة الأخير عندهما . واعلم أنهم ذكروا في جميع الكتب خلافهما بعد تمام المسألة : أي بعد قوله وهو ابنه والشارح قدمه ، فيوهم أن لا اختلاف إلا في ثبوت النسب من الثاني وليس كذلك . قال العيني وغيره : وهذا كله عند أبي حنيفة . وعندهما هي أم ولد الأول ، وهي مكاتبة كلها ، وعليه نصف قيمتها لشريكه عند أبي يوسف . وعند محمد الأقل من نصف قيمتها ومن نصف ما بقي من بدل الكتابة ، ولا يثبت نسب الولد الأخير من الآخر ، ولا يكون الولد بالقيمة ويغرم العقر لها ، وهذا الخلاف مبني على الاختلاف في تجزي استيلاد المكاتبة فعنده يتجزى لا عندهما ، واستيلاد القنة لا يتجزى بالإجماع ، واستيلاد المدبرة يتجزى بالإجماع . ( قوله : بعد ذلك ) أي بعد الوطأين والدعوتين . ( قوله : لزوال المانع ) وهو الكتابة من الانتقال : أي من انتقال الاستيلاد تماما إليه مع قيام المقتضي فيعمل المقتضي عمله من وقت وجوده كالبيع بشرط الخيار للبائع إذا أسقط الخيار يثبت الملك به من وقت وجوده زيلعي . ( قوله : ووطؤه سابق ) جواب عما عساه يقال : إن كلا له ملك فيها وقد وطئ كل وادعى فما المرجح لاختصاص الأول بكونها أم ولد له ؟ ط . ( قوله : وضمن لشريكه نصف قيمتها ) يعني حال كونها مكاتبة لأنه تملك نصيبه لما استكمل [ ص: 112 ] الاستيلاد درر . وفي الشرنبلالية عن الفتح : وقيمة المكاتب نصف قيمته قنا لأنه حر يدا وبقيت الرقبة . ( قوله : ونصف عقرها ) لوطئه أمة مشتركة فوجب العقر كله عليه ، ثم لما عجزت سقط عنه نصيبه وبقي نصيب صاحبه أتقاني . ( قوله : لوطئه أم ولد الغير حقيقة ) بناء على ما مر من أنها لما عجزت استكمل الاستيلاد للأول لزوال المانع . ( قوله : لأنه بمنزلة المغرور ) لأنه وطئها على ظن أنها على حكم ملكه وظهر بالعجز وبطلان الكتابة أنه لا ملك له فيها ، وولد المغرور ثابت النسب منه حر بالقيمة زيلعي .

وادعى بعض الشراح أن ضمان الثاني القيمة قولهما ، لأن ولد أم الولد كأمه في عدم التقوم عند أبي حنيفة . قال الحموي : وهو ممنوع ، فقد أطبق الشراح على أنه قول أبي حنيفة ، غاية ما فيه أنه يشكل على قوله وقد أجيب عنه بأن عنه روايتين في تقومها ا هـ . والأحسن ما أجاب به في المبسوط كما نقله بعضهم ، من أن عدم تقوم ولد أم الولد عنده بعد ثبوت أمية الولد ولم تثبت في الولد لأنه حر الأصل فلهذا كان مضمونا بالقيمة . ( قوله : ترده للمولى ) أي ترد العقر لأنه ظهر اختصاصه بها زيلعي . ( قوله : والمسألة بحالها ) أي وقد كاتباها ووطئ الأول فولدت فادعاه . ( قوله : بطل التدبير ) لأنه لم يصادف الملك . أما عندهما فظاهر لأن المستولد تملكها قبل العجز . وأما عنده فلأنه بالعجز تبين أنه تملك نصيبه من وقت الوطء فتبين أنه مصادف ملك غيره ، والتدبير يعتمد الملك ، بخلاف النسب لأنه يعتمد الغرور على ما مر هداية . ( قوله : نصف قيمتها ) لأنه تملك نصفها بالاستيلاد على ما بينا ، وقوله : نصف عقرها : أي لوطئه جارية مشتركة زيلعي . ( قوله : والولد للأول ) لأن دعواه قد صحت على ما مر وهذا كله بالإجماع زيلعي . واعترض قوله " والولد للأول " بأنه يوهم كون الثاني وطئ وادعى ، والمفروض خلافه ، فلو أبدله بقوله وتم الاستيلاد للأول لكان أولى . ( قوله : فعجزت ) قيد به لأنه يظهر به أثر الإعتاق ويصير تعديا فيغرم ، أما قبله فلا يضمن شيئا عند أبي حنيفة لأنها مكاتبة في نصيب شريكه كما كانت لتجزي الإعتاق عنده فلم يتلف نصيب صاحبه ، لأن معتق النصف يسعى بمنزلة المكاتب وهنا ذلك النصف مكاتب قبل الإعتاق فلم يظهر الإعتاق فيه . وعلى قولهما يغرم في الحال لعدم تجزي الإعتاق ، وتمامه في غاية البيان . ( قوله : فرع ) هو من مسائل المتون . ( قوله : أو ضمن شريكه في الأولى فقط ) أي ضمنه قيمته مدبرا وهي ثلثا قيمته قنا لأنه أتلفه وهو مدبر ، بخلاف ما إذا تأخر التدبير حيث لا يضمنه لأنه بمباشرة التدبير يصير ميراثا للمعتق عن الضمان لمعنى . وهو أن نصيبه كان قنا عند إعتاق المعتق فكان تضمينه إياه متعلقا بشرط تملك العين بالضمان وقد فوت ذلك التدبير كذا في العناية ح ، والله تعالى أعلم .




الخدمات العلمية