الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا يتحلى ) الرجل ( بذهب وفضة ) [ ص: 359 ] مطلقا ( إلا بخاتم ومنطقة وجلية سيف منها ) أي الفضة إذا لم يرد به التزين . وفي المجتبى : لا يحل استعمال منطقة وسطها من ديباج وقيل يحل إذا لم يبلغ عرضها أربع أصابع وفيها بعد سبع ورق ولا يكره في المنطقة حلقة حديد أو نحاس وعظم وسيجيء حكم لبس اللؤلؤ ( ولا يتختم ) إلا بالفضة لحصول الاستغناء بها فيحرم ( بغيرها كحجر ) وصحح السرخسي [ ص: 360 ] جواز اليشب والعقيق وعمم منلا خسرو ( وذهب وحديد وصفر ) ورصاص وزجاج وغيرها لما مر فإذا ثبت كراهة لبسها للتختم ثبت كراهة بيعها وصيغها لما فيه من الإعانة على ما لا يجوز وكل ما أدى إلى ما لا يجوز لا يجوز وتمامه في شرح الوهبانية ( والعبرة بالحلقة ) من الفضة ( لا بالفص ) فيجوز من حجر وعقيق وياقوت وغيرها وحل مسمار الذهب في حجر الفص [ ص: 361 ] ويجعله لبطن كفه في يده اليسرى وقيل اليمنى إلا أنه من شعار الروافض فيجب التحرز عنه قهستاني وغيره . قلت : ولعله كان وبان فتبصر وينقشه اسمه أو اسم الله تعالى لا تمثال إنسان أو طير ولا محمد رسول الله ولا يزيده على مثقال

التالي السابق


( قوله ولا يتحلى ) أي لا يتزين درر [ ص: 359 ] قوله مطلقا ) سواء كان في حرب أو غيره ط وأما جواز الجوشن والبيضة في الحرب فقدمنا أنه قولهما ( قوله ومنطقة ) بكسر الميم وفتح الطاء قهستاني وهي اسم لما يسميه الناس بالحياصة مصباح ، والحياصة : سير يشد به حزام السرج قاموس وفيه منطقة كمكنسة ما ينتطق به ، وانتطق الرجل شد وسطه بمنطقة كتنطق ا هـ وهذا أنسب هنا ، لأن الحياصة للدابة والكلام في تحلية الرجل نفسه تأمل ، ثم رأيت في بعض الشروح أن المنطقة بالفارسية الكمر وعلى عرف الناس الحياصة ا هـ ( قوله وحلية سيف ) وحمائله من جملة حليته شرنبلالية والشرط أن لا يضع يده على موضع الفضة كما قدمه ( قوله منها ) أي الفضة لا من الذهب درر وقال في غرر الأفكار : حال كون كل من الخاتم والمنطقة والحلية منها أي الفضة لورود آثار اقتضت الرخصة منها في هذه الأشياء خاصة ا هـ ( قوله إذا لم يرد به التزين ) الظاهر أن الضمير في به راجع إلى الخاتم فقط لأن تحلية السيف والمنطقة لأجل الزينة ، لا لشيء آخر بخلاف الخاتم ويدل عليه ما في الكفاية ، حيث قال : قوله إلا بالخاتم هذا إذا لم يرد به التزين وذكر الإمام المحبوبي ، وإن تختم بالفضة قالوا إن قصد به التجبر يكره ، وإن قصد به التختم ونحوه لا يكره ا هـ لكن سيأتي أن ترك التختم لمن لا يحتاج إلى الختم أفضل ، وظاهره أنه لا يكره للزينة بلا تجبر ويأتي تمامه تأمل .

( قوله وقيل يحل إلخ ) لم يعبر في المجتبى بلفظة قيل بل رمز للأول إلى كتاب ثم رمز لهذا إلى كتاب آخر ومقتضى الأول عدم التقدير بشيء وهو ظاهر المتون في الفضة . وفي الحاوي القدسي : إلا الخاتم قدر درهم والمنطقة وحلية السيف من الفضة ا هـ وهكذا عامة عباراتهم مطلقة ، لكن في القنية لا بأس باستعمال منطقة حلقتاها فضة لا بأس إذا كان قليلا وإلا فلا ا هـ وفي الظهيرية وعن أبي يوسف : لا بأس بأن يجعل في أطراف سيور اللجام ، والمنطقة الفضة ويكره أن يجعل جميعه أو عامته الفضة ا هـ فتأمل ولم أر من قدر حلية السيف بشيء ( قوله وسيجيء ) أي آخرا قبيل الفروع ( قوله ولا يتختم إلا بالفضة ) هذه عبارة الإمام محمد في الجامع الصغير أي بخلاف المنطقة فلا يكره فيها حلقة حديد ونحاس كما قدمه ، وهل حلية السيف كذلك يراجع قال الزيلعي : وقد وردت آثار في جواز التختم بالفضة وكان للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم خاتم فضة وكان في يده الكريمة ، حتى توفي صلى الله تعالى عليه وسلم ، ثم في يد أبي بكر رضي الله تعالى عنه إلى أن توفي ، ثم في يد عمر رضي الله تعالى عنه إلى أن توفي ، ثم في يد عثمان رضي الله تعالى عنه إلى أن وقع من يده في البئر فأنفق مالا عظيما في طلبه فلم يجده ، ووقع الخلاف فيما بينهم والتشويش من ذلك الوقت إلى أن استشهد رضي الله تعالى عنه .

( قوله فيحرم بغيرها إلخ ) لما روى الطحاوي بإسناده إلى عمران بن حصين وأبي هريرة قال : " { نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن خاتم الذهب } ، وروى صاحب السنن بإسناده إلى عبد الله بن بريدة عن أبيه : { أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وعليه خاتم من شبه فقال له : مالي أجد منك ريح الأصنام فطرحه ثم جاء وعليه خاتم من حديد فقال : مالي أجد عليك حلية أهل النار فطرحه فقال : يا رسول الله من أي شيء أتخذه ؟ قال : اتخذه من ورق ولا تتمه مثقالا } " فعلم أن التختم بالذهب والحديد والصفر حرام فألحق اليشب بذلك لأنه قد يتخذ منه الأصنام ، فأشبه الشبه الذي هو منصوص معلوم بالنص إتقاني والشبه محركا النحاس الأصفر قاموس وفي الجوهرة والتختم [ ص: 360 ] بالحديد والصفر والنحاس والرصاص مكروه للرجل والنساء ( قوله جواز اليشب ) بالباء أو الفاء أو الميم وفتح أوله وسكون ثانيه وتحريكه خطأ كما في المغرب ، قال القهستاني : وقيل إنه ليس بحجر فلا بأس به وهو الأصح كما في الخلاصة ا هـ .

( قوله والعقيق ) قال في غرر الأفكار والأصح أنه لا بأس به ، { لأنه عليه الصلاة والسلام تختم بعقيق } وقال : " { تختموا بالعقيق فإنه مبارك } " ولأنه ليس بحجر إذ ليس له ثقل الحجر ، وبعضهم أطلق التختم بيشب وبلور وزجاج ( قوله وعمم منلا خسرو ) أي عمم جواز التختم بسائر الأحجار حيث قال بعد كلام فالحاصل : أن التختم بالفضة حلال للرجال بالحديث وبالذهب والحديد والصفر حرام عليهم بالحديث وبالحجر حلال على اختيار شمس الأئمة وقاضي خان أخذا من قول الرسول وفعله صلى الله عليه وسلم لأن حل العقيق لما ثبت بهما ثبت حل سائر الأحجار ، لعدم الفرق بين حجر وحجر وحرام على اختيار صاحب الهداية والكافي أخذا من عبارة الجامع الصغير المحتملة : لأن يكون القصر فيها بالإضافة إلى الذهب ، ولا يخفى ما بين المأخذين من التفاوت ا هـ . أقول : لا يخفى أن النص معلول كما قدمناه ، فالإلحاق بما ورد به النص في العلة التي فيه أخذ من النص أيضا والنص على الجواز بالعقيق يحتمل عدم الثبوت عند المجتهد أو ترجيح غيره عليه ، على أن العقيق أو اليشب ليسا من الحجر كما مر ، فقياس غيرهما عليهما يحتاج إلى دليل ، واتباع المجتهد اتباع للنص ، لأنه تابع للنص غير مشرع قطعا وتأويل عبارة المجتهد العارف بمحاورات الكلام عدول عن الانتظام ، كيف ولو كان القصر فيها بالإضافة إلى الذهب لزم منها إباحة نحو الصفر والحديد مع أن مراد المجتهد عدمها ( قوله لما مر ) أي من قوله ولا يتختم إلا بالفضة الذي هو لفظ محرر المذهب الإمام محمد رحمه الله تعالى فافهم .

( قوله فإذا ثبت إلخ ) نقله ابن الشحنة عن ابن وهبان ، ثم قال : والظاهر أنه لم يقف على التصريح بكراهة بيعها ، وقد وقفت عليه في القنية قال ويكره بيع خاتم الحديد والصفر ونحوه بيع طين الأكل أما بيع الصورة فلم أقف عليها والوجه فيها ظاهر ( قوله وصيغها ) صوابه وصوغها ا هـ ح ورأيت في بعض النسخ وصنعها بالنون بين الصاد والعين المهملتين ، والذي في شرح الوهبانية صيغتها ، وفي القاموس : صاغ الله فلانا صيغة حسنة خلقه والشيء هيأه على مثال مستقيم فانصاغ وهو صواغ وصائغ وصياغ والصياغة بالكسر حرفته ا هـ وظاهر قوله وصياغ أنه جاء يائي العين تأمل ( قوله لما فيه من الإعانة إلخ ) قال ابن الشحنة إلا أن المنع في البيع أخف منه في اللبس إذ يمكن الانتفاع بها في غير ذلك ويمكن سبكها وتغيير هيئتها ( قوله وكل ما أدى إلخ ) يتأمل فيه مع قول أئمتنا بجواز بيع العصير من خمار شرنبلالي ، ويمكن الفرق بما يأتي من أن المعصية لم تقم بعين العصير بل بعد تغيره . [ فرع ] لا بأس بأن يتخذ خاتم حديد قد لوي عليه فضة وألبس بفضة حتى لا يرى تتارخانية ( قوله وحل مسمار الذهب إلخ ) يريد به المسمار ليحفظ به الفص تتارخانية لأنه تابع كالعلم في الثوب فلا يعد لابسا له هداية ، وفي شرحها للعيني فصار كالمستهلك أو كالأسنان المتخذة من الذهب على حوالي خاتم الفضة ، فإن الناس يجوزونه من غير نكير ويلبسون تلك الخواتم قال ط : ولم أر من ذكر جواز الدائرة العليا من الذهب بل ذكرهم حل المسمار فيه يقتضي حرمة غيره ا هـ .

أقول : مقتضى التعليل المار جوازها ويمكن دخولها في الفضة أيضا تأمل ( قوله في حجر الفص ) أي ثقبه [ ص: 361 ] هداية ومقتضاه أنه بتقديم الجيم على الحاء وهي رواية وفي أخرى بالعكس قال في المغرب وهي الصواب ; لأن الجحر جحر الضب أو الحية أو اليربوع وهو غير لائق هنا ( قوله ويجعله ) أي الفص لبطن كفه بخلاف النسوان لأنه تزين في حقهن هداية ( قوله في يده اليسرى ) وينبغي أن يكون في خنصرها دون سائر أصابعه ودون اليمنى ذخيرة ( قوله فيجب التحرز عنه ) عبارة القهستاني عن المحيط : جاز أن يجعله في اليمنى إلا أنه شعار الروافض ا هـ ونحوه في الذخيرة تأمل ( قوله ولعله كان وبان ) أي كان ذلك من شعارهم في الزمن السابق ، ثم انفصل وانقطع في هذه الأزمان ، فلا ينهى عنه كيفما كان . وفي غاية البيان قد سوى الفقيه أبو الليث في شرح الجامع الصغير بين اليمين واليسار ، وهو الحق ; لأنه قد اختلفت الروايات عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في ذلك وقول بعضهم إنه في اليمين من علامات أهل البغي ليس بشيء ، لأن النقل الصحيح عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ينفي ذلك ا هـ وتمامه فيه ( قوله أو اسم الله تعالى ) فلو نقش اسمه تعالى أو اسم نبيه صلى الله عليه وسلم استحب أن يجعل الفص في كمه إذا دخل الخلاء ، وأن يجعله في يمينه إذا استنجى قهستاني .

( قوله لا تمثال إنسان ) التمثال بالفتح التمثيل وبالكسر الصورة قاموس ( قوله أو طير ) لحرمة تصوير ذي الروح لكنه سبق في مكروهات الصلاة أن نقش غير المستبين الذي لا يبصر من بعد لا يضر ، وقد نقش في خاتم دانيال لبؤة بين يديها صغير ترضعه ، وكان في خاتم بعض السلف ذبابتان فليراجع ط . أقول : الذي سبق إنما هو في عدم كراهة الصلاة بها لا في نقشها والكلام هنا في فعل النقش ، وفي التتارخانية قال الفقيه لو كان على خاتم فضة تماثيل لا يكره ، وليس كتماثيل في الثياب في البيوت لأنه صغير وروي عن أبي هريرة أنه كان على خاتمه ذبابتان ا هـ تأمل ( قوله ولا محمد رسول الله ) في محل نصب عطفا على تمثال وذلك لأنه { نقش خاتمه صلى الله عليه وسلم وكان ثلاثة أسطر كل كلمة سطر } . وقد { نهى عليه الصلاة والسلام أن ينقش أحد عليه } كما رواه في الشمائل : أي على هيئته أو مثل نقشه ، ونقش خاتم أبي بكر ، نعم القادر الله ، وعمر كفى بالموت واعظا وعثمان : لتصبرن أو لتندمن ، وعلي : الملك لله وأبي حنيفة : قل الخير وإلا فاسكت وأبي يوسف : من عمل برأيه فقد ندم ومحمد : من صبر ظفر ا هـ قهستاني عن البستان ( قوله ولا يزيده على مثقال ) وقيل لا يبلغ به المثقال ذخيرة .

أقول : ويؤيده نص الحديث السابق من قوله عليه الصلاة والسلام " { ولا تتممه مثقالا } "




الخدمات العلمية