الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) صحت ( للحمل وبه ) كقوله ( أوصيت بحمل جاريتي أو دابتي هذه لفلان ثم إنما تصح إن ولد ) الحمل ( لأقل من ستة أشهر ) لو زوج الحامل حيا ولو ميتا وهي معتدة حين الوصية فلأقل من سنتين بدليل ثبوت نسبه . اختيار وجوهرة ولا فرق بين الآدمي وغيره من الحيوانات ، فلو أوصى لما في بطن دابة فلان لينفق عليه صح ومدة الحمل للآدمي ستة أشهر وللفيل إحدى عشرة سنة وللإبل والخيل والحمار سنة وللبقر تسعة أشهر وللشاة خمسة أشهر ، وللسنور شهران ، وللكلب أربعون يوما وللطير أحد وعشرون يوما قهستاني معزيا للاستيفاء ( من وقتها ) أي من وقت [ ص: 654 ] الوصية وعليه المتون . وفي النهاية من وقت موت الوصي وفي الكافي ما يفيد أنه من الأول إن كان له ومن الثاني إن كان به زاد في الكنز ولا تصح الهبة للحمل لعدم قبضه ولا ولاية لأحد عليه ليقبض عنه زيلعي وغيره فلو صالح أبو الحمل عنه بما أوصى له لم يجز لأنه لا ولاية للأب على الجنين ولوالجية . قلت : وبه علم جواب حادثة الفتوى وهي أنه ليس للوصي ولو مختارا التصرف فيما وقف للحمل بل قالوا الحمل لا يلي ولا يولى عليه

التالي السابق


( قوله وصحت للحمل ) لأنها استخلاف من وجه ، لأنه يجعله خليفة في بعض ماله والجنين يصلح خليفة في الإرث ، فكذا في الوصية ولا يقال شرطها القبول والجنين ليس من أهله ، لأنها تشبه الهبة والميراث فلشبهها بالهبة يشترط القبول ، إذا أمكن ولشبهها بالميراث يسقط إذا لم يمكن عملا بالشبهين ، ولهذا يسقط بموت الموصى له قبل القبول زيلعي ( قوله وبه ) أي بالحمل لأنه يجري فيه الإرث ، فتجري فيه الوصية أيضا لأنها أخته زيلعي ، وهذا إذا لم يكن الحمل من المولى أتقاني وأشار إليه الشارح .

[ تنبيه ] قدمنا في باب اللعان عن فتح القدير أن توريث الحمل والوصية به ، وله لا يثبتان إلا بعد الانفصال فيثبتان للولد لا للحمل ا هـ . أقول : والمراد ثبوت حكمهما وإلا فهما ثابتان قبل ذلك فلا ينافي كلامهم هنا .

[ فرع ] في الظهيرية لو أعتق الورثة الحمل الموصى به جاز إعتاقهم ويضمنون قيمته يوم الولادة ا هـ . أقول : ووجهه ما علمت أن الوصية به لا يثبت حكمها إلا بعد الولادة فهو قبلها على ملك الورثة تبعا لأمه وبالولادة ثبت حق الموصى له وقد أتلفوه عليه فضمنوا قيمته وقتها تأمل ( قوله لأقل من ستة أشهر ) إذ لو ولد لستة أشهر أو لأكثر احتمل وجوده وعدمه فلا تصح أفاده الأتقاني ( قوله ولو ميتا ) مثل الموت الطلاق البائن ط . أقول : ومثله لو أقر الموصي بأنها حامل فتثبت الوصية له إن وضعته ما بين سنتين من يوم أوصى ، لأن وجوده في البطن عند الوصية ثبت بإقرار الموصي ، فإنه غير متهم فيه لأنه موجب له ما هو خالص حقه بناء على هذا الإقرار ، وهو الثلث فيلحق بما لو صار معلوما يقينا بأن وضعته لأقل من ستة أشهر ا هـ كذا نقله شيخ مشايخنا العلامة محمد التافلاتي الحنفي مفتي القدس الشريف عن مبسوط السرخسي ( قوله فلأقل من سنتين ) أي من وقت الموت أو الطلاق ولو كان لأكثر من ستة أشهر من وقت الوصية ط ( قوله ولا فرق ) أي في صحة الوصية للحمل أو به ( قوله لينفق عليه ) قيد به لما سيأتي من قوله أوصى بهذا التبن لدواب فلان ، فإن الوصية باطلة ولو قال يعلف بها دواب فلان جاز ( قوله صح ) أي إذا قيل فلان أتقاني لأنها وصية له كما سيأتي .

( قوله ومدة الحمل ) أي أقل مدته وهو صريح ما في القهستاني ط ( قوله وللفيل إحدى عشرة سنة ) الذي رأيته في نسختي القهستاني [ ص: 654 ] أحد عشر شهرا فلتراجع نسخة أخرى ( قوله وعليه المتون ) أفاد بذلك اعتماده ط ( قوله وفي الكافي إلخ ) أقول هذا الذي ينبغي اعتماده فإن أصحاب المتون كما صرحوا بما مر فقد صرحوا أيضا في آخر باب الوصية بالخدمة بأنه لو أوصى بصوف غنمه وولدها أي الحمل له الموجود عند موته وأقره الشارح فهو مخصص لإطلاقهم هنا فافهم ( قوله إن كان له ) أي إن كان الإيصاء للحمل لما مر أن من الشرائط كون الوصي له موجودا وقت الوصية ولا يتيقن بوجوده إلا إذا ولد لأقل من ستة أشهر من وقتها ( قوله إن كان به ) لما قدمناه عن النهاية من أن الموصى به إن كان معدوما لا بد من أن يكون قابلا للتمليك بعقد من العقود ولذا لم تجز الوصية بما تلد أغنامه ( قوله لعدم قبضه ) بيان للفرق بين الوصية والهبة فإن الهبة تمليك محض والملك بالهبة إنما يثبت بالقبض والجنين غير صالح لذلك أفاده في العناية أما الوصية فهي تمليك من وجه واستخلاف من وجه كما قدمنا .

( قوله لأنه لا ولاية للأب على الجنين ) لأن له ثبوت الولاية لحاجة المولى عليه إلى النظر ولا حاجة للجنين إلى ذلك ، ولأن الجنين في حكم جزء من أجزاء الأم ، وكما لا يثبت للأب الولاية على الأم فكذلك على ما هو من أجزائها ، وكذلك الأم لو كانت هي التي صالحت ، لأن الأبوة في الولاية أقوى فإذا كانت لا تثبت للأب ، فالأم أولى والجنين وإن كان بمنزلة جزء منها من وجه فهو في الحقيقة نفس مودعة فيها فلاعتبار معنى النفسية صحت الوصية ، والوصية للأجزاء لا تصح ، ولا يمكن تصحيح هذا الصلح من الأم باعتبار الجزئية لهذا المعنى ا هـ تافلاني عن المبسوط ( قوله قلت وبه علم إلخ ) هو للمصنف في المنح ط وفي حاشية الأشباه للحموي في قاعدة : التابع تابع ينبغي أن يقال إن كان شيئا يخشى عليه التلف فللولي بيعه ، وإلا فإن كان حيوانا فكذلك لأن مؤنته تستغرقه بالنفقة ، ولو عقارا فلا هذا ما ظهر لي تفقها والقواعد تقتضيه ا هـ ( قوله بل قالوا إلخ ) إضراب انتقالي فإنه أفاد أنه لا تثبت الولاية عليه أصلا فضلا عن صحة التصرف وعدمها فافهم . قال الرملي : والنقل في عدم ولاية الأب والوصي على الجنين متظاهر كثير ا هـ .

[ تنبيه ] أفتى في الحامدية أخذا مما هنا بأنه لا يصح نصب الأب وصيا على حمله ، لكن في الأشباه أول كتاب البيوع ينبغي أن يصح الوقف عليه كالوصية . قال الحموي : أي عليه فأفاد أنه يصح نصب وصي عليه وهو موافق لبحثه المار وبه أفتى العلامة ابن الشلبي مستندا إلى قولهم إن الواقف على الحادثين من أولاده صحيح ، وقولهم إن الوقف أخو الوصية ، فحيث دخلوا في الوقف دخلوا فيها أيضا .

أقول : فيه نظر فإن الظاهر أن مرادهم الوصية التي هي التمليك فإن الوقف أخوها لأنه تصدق بالمنفعة والكلام في نصب الوصي على الحمل وذلك لا يشبه الوقف عليه كما لا يخفى ، وبه ظهر ما في كلام الحموي السابق هذا ولمولانا الشيخ محمد التافلاني رسالة في هذه المسألة وفق فيها بأنه صحيح ، ولكنه موقوف إلى الولادة أخذا مما قدمناه عن فتح القدير من أن توريثه الوصية به وله موقوفان إليها أيضا والله تعالى أعلم




الخدمات العلمية