الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 289 ] ( دفع أرضا بيضاء مدة معلومة ليغرس وتكون الأرض والشجر بينهما ) ( لا تصح ) لاشتراط الشركة [ ص: 290 ] فيما هو موجود قبل الشركة فكان كقفيز الطحان فتفسد ( والثمر والغرس لرب الأرض ) تبعا لأرضه ( وللآخر قيمة غرسه ) يوم الغرس ( وأجر ) مثل ( عمله ) وحيلة الجواز أن يبيع نصف الغراس بنصف الأرض ويستأجر رب الأرض العامل ثلاث سنين مثلا بشيء قليل ليعمل في نصيبه صدر الشريعة .

التالي السابق


( قوله بيضاء ) أي لا نبات فيها ( قوله مدة معلومة ) وبدونها بالأولى ( قوله وتكون الأرض والشجر بينهما ) قيد به إذ لو شرط أن يكون هذا الشجر بينهما فقط صح .

مطلب يشترط في المناصبة بيان المدة

قال في الخانية : دفع إليه أرضا مدة معلومة على أن يغرس فيها غراسا على أن ما تحصل من الأغراس والثمار يكون بينهما جاز ا هـ ومثله في كثير من الكتب ، وتصريحهم بضرب المدة صريح في فسادها بعدمه .

ووجهه أنه ليس لإدراكها مدة معلومة ، كما قالوا فيما لو دفع غراسا لم تبلغ الثمرة على أن يصلحها خيرية من الوقف والمساقاة ، ومثله في الحامدية والمرادية وهكذا حققه الرملي في الحاشية ، وهذه تسمى مناصبة ويفعلونها في زماننا بلا بيان مدة ، وقد علمت فسادها . قال الرملي : وإذا فسدت لعدم المدة ينبغي أن يكون الثمر والغرس لرب الأرض وللآخر قيمة الغرس وأجرة المثل ، كما لو فسدت باشتراط بعض الأرض لتساويهما في العلة وهي واقعة الفتوى ا هـ .

أقول : وفي الذخيرة : وإذا انقضت المدة يخير رب الأرض ، إن شاء غرم نصف قيمة الشجرة ويملكها ، وإن شاء قلعها ا هـ . وبيان ذلك فيها في الفصل الخامس فراجعها .

هذا ، وفي التتارخانية والذخيرة : دفع إلى ابن له أرضا ليغرس فيها أغراسا على أن الخارج بينهما نصفان ولم يؤقت له وقتا فغرس فيها ثم مات الدافع عنه وعن ورثة سواه فأراد الورثة أن يكلفوه قلع الأشجار كلها ليقسموا الأرض ، فإن كانت الأرض تحتمل القسمة قسمت ، وما وقع في نصيب غيره كلف قلعه وتسوية الأرض ما لم يصطلحوا ، وإن لم تحتمل يؤمر الغارس بقلع الكل ما لم يصطلحوا ا هـ ، فهذا كالصريح في أن المناصبة تفسد بلا بيان المدة كما فهمه الرملي من تقييدهم بالمدة ، إذ لو صحت لكان الغراس مناصفة كما شرطا ، لكنه يفيد أنه حيث فسدت فالغراس للغارس لا للدافع وهو خلاف ما بحثه الرملي فليتأمل .

ويمكن ادعاء الفرق بين هذا وبين ما إذا فسدت باشتراط نصف الأرض ، ويظهر ذلك مما عللوا به الفساد فإنهم عللوا له بثلاثة أوجه : منها كما في النهاية أنه جعل نصف الأرض عوضا عن جميع الغراس ونصف الخارج عوضا لعمله فصار العامل مشتريا نصف الأرض بالغراس المجهول فيفسد العقد ، فإذا زرعه في الأرض بأمر صاحبها فكأن صاحبها فعل ذلك بنفسه فيصير قابضا ومستهلكا بالعلوق فيجب عليه قيمته وأجر المثل ا هـ ، ولا يتأتى ذلك في مسألتنا بل هو في معنى استئجار الأرض بنصف الخارج : وإذا فسد العقد لعدم المدة يبقى الغراس للغارس ، ونظيره ما مر في المزارعة أنها إذا فسدت فالخارج لرب البذر ، ولا يخفى أن الغرس كالبذر ، وينبغي لزوم أجر مثل الأرض كما في المزارعة ، هذا ما ظهر لي ، والله تعالى أعلم ( قوله لاشتراط الشركة إلخ ) هذا ثاني الأوجه التي عللوا بها الفساد ، وعليه اقتصر في الهداية ، وقال إنه أصحها . قال في العناية : لأنه نظير من استأجر صباغا ليصبغ ثوبه بصبغ نفسه على أن يكون نصف المصبوغ للصباغ فإن الغراس آلة تجعل الأرض [ ص: 290 ] بها بستانا كالصبغ للثوب ، فإذا فسدت الإجارة بقيت الآلة متصلة بملك صاحب الأرض وهي متقومة فيلزمه قيمتها كما يجب على صاحب الثوب قيمة ما زاد الصبغ في ثوبه وأجر عمله ا هـ ( قوله فيما هو موجود قبل الشركة ) وهو الأرض ( قوله فكان كقفيز الطحان ) إذ هو استئجار ببعض ما يخرج من عمله وهو نصف البستان هداية .

هذا : وأما وجه صحة المناصبة فقال في الذخيرة لأنهما شرطا الشركة في جميع ما يخرج بعمل العامل وهذا جائز في المزارعة فكذا في المعاملة ا هـ . ومقتضى هذا أن كونها في معنى قفيز الطحان لا يضر إذ هو جار في معظم مسائل المزارعة والمعاملة ، ولهذا قال الإمام بفسادهما ، وترك صاحباه القياس استدلالا { بأنه عليه الصلاة والسلام عامل أهل خيبر على نصف ما يخرج من ثمر أو زرع } ، وهذا يفيد ترجيح الوجه الذي قدمناه عن النهاية فليتأمل ( قوله يوم الغرس ) كذا أفاده الرملي ، وقال : لأن الضمان في مثله من وقت الاستهلاك فتعتبر قيمته من وقته لا من وقت صيرورته شجرا مثمرا ولا من وقت المخاصمة ، فاعلم ذلك فإن المحل قد يشتبه ا هـ ( قوله وحيلة الجواز إلخ ) هذه الحيلة وإن أفادت صحة الاشتراك في الأرض والغراس لكنها تضر صاحب الأرض لأن استئجار الشريك على العمل في المشترك لا يصح ولا يستحق أجرا إن عمل ، فقد يمتنع عن العمل ويأخذ نصف الأرض بالثمن اليسير ، اللهم إلا أن يحمل على أنهما أفرزا الغراس وغرس كل نصفه في جانب فتصح الإجارة أيضا فتأمل




الخدمات العلمية