الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال الله تعالى : فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم روى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : لست عليهم بمصيطر وقوله : وما أنت عليهم بجبار وقوله تعالى : فاعف عنهم واصفح وقوله : قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله قال : ( نسخ هذا كله قوله تعالى : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقوله تعالى : قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر الآية ) ، وقال موسى بن عقبة : قد كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك يكف عمن لم يقاتله بقوله تعالى : وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ثم نسخ ذلك بقوله : براءة من الله ورسوله ثم قال : فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين قال أبو بكر : عمومه يقتضي قتل سائر المشركين من أهل الكتاب ، وغيرهم ، وأن لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف ، إلا أنه تعالى خص أهل الكتاب بإقرارهم على الجزية بقوله تعالى : قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر الآية ، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الجزية من مجوس هجر ، وقال في حديث علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا بعث سرية قال : إذا لقيتم المشركين فادعوهم إلى الإسلام فإن أبوا فادعوهم إلى أداء الجزية فإن فعلوا فخذوا منهم وكفوا عنهم ، وذلك عموم في سائر المشركين ، [ ص: 270 ] فخصصنا منه من لم يكن من مشركي العرب بالآية ، وصار قوله تعالى : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم خاصا في مشركي العرب دون غيرهم . وقوله تعالى : وخذوهم واحصروهم يدل على حبسهم بعد الأخذ والاستيناء بقتلهم انتظارا لإسلامهم ؛ لأن الحصر هو الحبس . ويدل أيضا على جواز حصر الكفار في حصونهم ومدنهم إن كان فيهم من لا يجوز قتله من النساء والصبيان ، وأن يلقوا بالحصار . وقوله تعالى : فاقتلوا المشركين يقتضي عمومه جواز قتلهم على سائر وجوه القتل ، إلا أن السنة قد وردت بالنهي عن المثلة ، وعن قتل الصبر بالنبل ، ونحوه ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : أعف الناس قتلة أهل الإيمان وقال : إذا قتلتم فأحسنوا القتلة . وجائز أن يكون أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين قتل أهل الردة بالإحراق والحجارة والرمي من رءوس الجبال والتنكيس في الآبار إنما ذهب فيه إلى ظاهر الآية ، وكذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين أحرق قوما مرتدين جائز أن يكون اعتبر عموم الآية .

التالي السابق


الخدمات العلمية