الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو قطعت يده فاقتص له فمات ) المقطوع ( الأول قبل الثاني قتل ) الثاني ( به ) لسرايته . وعن أبي يوسف لا قود لأنه لما أقدم على القطع فقد أبرأه عما وراءه . وظاهر إشكال ابن الكمال يفيد تقوية قول أبي يوسف . قال المصنف ( ولو مات المقتص منه فديته على عاقلة المقتص له ) خلافا لهما .

قلت : هذا إذا استوفاه بنفسه بلا حكم الحاكم ، وأما الحاكم والحجام والختان والفصاد والبزاغ فلا يتقيد فعلهم بشرط السلامة كالأجير وتمامه في الدرر . والأصل أن الواجب لا يتقيد بوصف السلامة والمباح يتقيد به ومنه ضرب الأب ابنه تأديبا أو الأم أو الوصي [ ص: 566 ] ومن الأول ضرب الأب أو الوصي أو المعلم بإذن الأب تعليما فمات لا ضمان فضرب التأديب مقيد ; لأنه مباح وضرب التعليم لا لأنه واجب ومحله في الضرب المعتاد ، وأما غيره فموجب للضمان في الكل وتمامه في الأشباه ( وإن قطع ) ولي القتل ( يد القاتل و ) بعد ذلك ( عفا ) عن القتل ( ضمن القاطع دية اليد ) ; لأنه استوفى غير حقه لكن لا يقتص للشبهة وقالا لا شيء عليه ( وضمان الصبي إذا مات من ضرب أبيه أو وصيه تأديبا ) أي للتأديب ( عليهما ) أي على الأب والوصي ; لأن التأديب يحصل بالزجر والتعريك وقالا لا يضمن لو معتادا ، وأما غير المعتاد ففيه الضمان اتفاقا ( كضرب معلم صبيا أو عبدا بغير إذن أبيه ومولاه ) لف ونشر فالضمان على المعلم إجماعا ( وإن ) الضرب ( بإذنهما لا ) ضمان على المعلم إجماعا قيل هذا رجوع من أبي حنيفة إلى قولهما ( وكذا يضمن زوج امرأة ضربها تأديبا ) ; لأن تأديبها للولي كذا عزاه المصنف لشرح المجمع للعيني .

قلت : وهو في الأشباه وغيرها كما قدمناه . وفي ديات المجتبى : للزوج والوصي كالأب تفصيلا وخلافا فعليهم [ ص: 567 ] الدية والكفارة وقيل : رجع الإمام إلى قولهما وتمامه ثمة .

التالي السابق


( قوله لسرايته ) أي لسراية القطع الأول إلى القتل ، واستيفاء القطع لا يسقط القود كمن له القود في النفس إذا قطع يد القاتل ( قوله ; لأنه لما أقدم إلخ ) جوابه أنه إنما أقدم على القطع ظنا منه أن حقه فيه وبعد السراية تبين أن حقه في القود فلم يكن مبرأ عنه بدون العلم به كما في الهداية .

واستشكله ابن الكمال بما حاصله أنهم في المسألة المارة وهي ما إذا قطع فعفا عن القطع فمات عللوا سقوط القصاص بأن صورة العفو تكفي في سقوطه ; لأنها تورث شبهة ولم يلتفتوا إلى أنه لا يكون مبرأ عنه بدون العلم به فأوجبوا الدية . قال الرحمتي : ويجاب بالفرق بأن العافي عن القطع ظهر منه الميل إلى العفو ، بخلاف هذا فإنه استوفى ما ظهر له أنه واجب له فلم توجد منه صورة العفو ( قوله يفيد تقوية قول أبي يوسف ) فيه أنه لا يعارض ما عليه المتون والشروح ط . على أنك سمعت الجواب عنه ( قوله ولو مات المقتص منه ) مقابل قوله فمات المقطوع الأول ( قوله فديته على عاقلة المقتص له ) ; لأن حقه في القطع وقد قتل . قال الأتقاني : ولكن الدية على العاقلة ; لأنه في معنى الخطإ ; لأنه أراد استيفاء حقه من القطع ولم يرد القتل ( قوله خلافا لهما ) فعندهما لا يضمن شيئا ; لأنه استوفى حقه وهو القطع ، ولا يمكن التقييد بوصف السلامة لما فيه من سد باب القصاص ، إذ الاحتراز عن السراية ليس في وسعه ابن كمال ( قوله بلا حكم الحاكم ) ظاهره أنه لو استوفاه بنفسه بعد حكم الحاكم لا يضمن فتأمل .

( قوله وأما الحاكم إلخ ) أي إذا قطع يد السارق فمات : وهذه المسائل استشهد بها الإمامان لقولهما ، فإنه لا ضمان فيها فنبه الشارح على الفرق بأن إقامة الحدود واجبة على الإمام ، وكذا فعل الحجام ونحوه واجب العقد ، فلا يتقيد بالسلامة وفي مسألتنا الولي مخير بل العفو مندوب إليه فيتقيد بها للأصل المذكور ( قوله والبزاغ ) أي البيطار ( قوله والمباح يتقيد به ) استثنى منه ما إذا وطئ زوجته فأفضاها أو ماتت ، فلا ضمان عليه مع كونه مباحا لكون الوطء أخذ موجبه وهو المهر ، فلا يجب به آخر أي ضمان آخر أشباه ط ويأتي تمامه ( قوله ومنه ) أي من المباح وهذا على قول [ ص: 566 ] الإمام ويأتي تمامه قريبا ( قوله ومن الأول ) أي الواجب قال الشارح في باب التعزير : وفي القنية له إكراه طفله على تعلم قرآن وأدب وعلم لفرضيته على الوالدين ، وله ضرب اليتيم فيما يضرب ولده ا هـ وأفاد أن الأم كالأب في التعليم بخلاف التأديب كما يأتي ( قوله بإذن الأب ) أي أو بإذن الوصي ولو ضرب بغير إذنهما يضمن كما يأتي ط ( قوله تعليما ) علة لقوله ضرب ( قوله مقيد ) أي بوصف السلامة ( قوله ومحله في الضرب المعتاد ) أي كما وكيفا ومحلا فلو ضربه على الوجه أو على المذاكير ، يجب الضمان بلا خوف ولو سوطا واحدا ; لأنه إتلاف أبو السعود عن تلخيص الكبرى ط ( قوله من ضرب أبيه أو وصيه ) قيد بهما ; لأن الأم إذا ضربت للتأديب تضمن اتفاقا ، وبقوله تأديبا إذ لو ضربه كل منهما للتعليم لا يضمن اتفاقا ا هـ غرر الأفكار ( قوله وإن الضرب بإذنهما ) أي إذن الأب والمولى ، وكذا الوصي ومفاده أنهما لو ضرباه بنفسهما لا ضمان أيضا اتفاقا .

وقدمناه آنفا لكن في الخانية : ضرب ولده الصغير في تعليم القرآن ومات قال أبو حنيفة . يضمن الدية ولا يرثه وقال أبو يوسف : يرثه ولا يضمن ، وإن ضربه المعلم بإذن الوالد لا يضمن المعلم ا هـ وفي الولوالجية : ضرب ابنه في أدب أو الوصي ضرب اليتيم فمات يضمن عنده ، وكذا إن ضربه المعلم بلا إذنهم ضمن ، وإن بإذن فلا ; لأن الأب والوصي مأذونان في التأديب ، بشرط السلامة ; لأنهما يملكان التصرف في نفسه وماله لو خيرا له أما المعلم إنما أدبه بإذنهم والإذن منهم وجد مطلقا لا مقيدا ا هـ وظاهره أنه لا فرق عند أبي حنيفة في ضمان الأب في التأديب والتعليم والظاهر أنه رواية أخرى تأمل ( قوله قيل هذا ) أي قول الإمام بعدم ضمان المعلم بالإذن من الأب ، وفيه أن الخلاف في ضرب التأديب ، والكلام هنا في ضرب التعليم ، وهو واجب لا يتقيد بالسلامة ، ولا خلاف فيه أفاده ط .

أقول : في حاشية الشرف الغزي عن الصغرى قال أبو سليمان : إذا ضرب ابنه على تعليم القرآن أو الأدب فمات ضمن عنده لا عند أبي يوسف ا هـ وقدمنا آنفا عن الخانية مثله وعليه يظهر الرجوع ولا يحتاج إلى الفرق الذي ذكرناه عن الولوالجية ، وتقدم في كتاب الإجارات عند قوله : وضمن بضربها وكبحها عن غاية البيان أن الأصح رجوعه إلى قولهما وكذا نقله البيري عن كفاية المجيب فتدبر ( قوله ; لأن تأديبها للولي ) هذا التعليل غير ظاهر ; لأن مفاده أن الولي لا يضمن مع أن الأب يضمن بضرب ابنه تأديبا على ما مر ، والأظهر قول البيري ; لأنه لنفع نفسه بخلاف تعزير القاضي ، فإنه لنفع المضروب ا هـ وتقدم في باب التعزير ما للزوج ضربها عليه ( قوله وهو ) أي ما في المتن مذكور في الأشباه وغيرها مطلقا ، وقوله : كما قدمناه أي في ضمن قوله وتمامه في الأشباه ، وإلا لم يقدمه صريحا ، والمراد أنه مذكور في الأشباه وغيرها مطلقا عن ذكر الخلاف كما قدمنا في المتن ، فإن [ ص: 567 ] عبارة المتن تفيد أن الزوج يضمن اتفاقا ، وبه صرح ابن ملك وغيره وعليه فقوله : وفي ديات المجتبى إلخ كالاستدراك عليه تأمل ( قوله وتمامه ثمة ) قال فيه : ولو ضرب ابنه تأديبا إن ضربه حيث لا يضرب للتأديب ، أو فوق ما يضرب للتأديب فعطب فعليه الدية والكفارة ، وإذا ضربه حيث يضرب للتأديب ، ومثل ما يضرب فكذلك عند أبي حنيفة وقالا : لا شيء عليه ، وقيل : رجع إلى قولهما ، وعلى هذا التفصيل ، والخلاف الوصي والزوج إذا ضرب اليتيم أو زوجته تأديبا ، وكذا المعلم إذا ضرب الصبي بإذن الأب أو الوصي لتعليم القرآن أو عمل آخر مثل ما يضرب فيه لا يضمن هو ولا الأب ولا الوصي بالإجماع ، فأبو حنيفة أوجب الدية والكفارة على الأب ، ولم يوجبها على المعلم إذا كان بإذنه وقيل هذا رجوع من أبي حنيفة إلى قولهما في حق الأب ولو ضرب المعلم بدون إذنه فمات يضمن ، والوالدة إذا ضربت ولدها تأديبا لا شك أنها تضمن على قوله وعلى قولهما اختلاف المشايخ ا هـ منح




الخدمات العلمية